حمّاد السالمي
قبل عدة أيام مضت؛ كنا في اجتماع الأهالي الشهري بمقر محافظة الطائف برئاسة معالي المحافظ سعد بن مقبل الميموني، وحضور عدد من المسؤولين والقياديين والمثقفين وشيوخ القبائل. الجميل في هذا المجلس؛ أن محاور النقاش؛ تأتي تلقائية ووليدة اللحظة، بمعنى: أن كل من حضر له أن يدلي بدلوه في الشأن الذي يهمه ويفكر فيه دون تخطيط مسبق. أمران ظهرا في حوار المجلس سرّاني كثيرًا. الأول: ما أبداه الحضور من سرور واحتفاء بالنشاطات والفعاليات الثقافية والسياحية والتسويقية التي صاحبت الموسم الصيفي للطائف هذا العام، بحيث شعر الجميع أن الطائف تعود لصباها وعهدها القديم قبل أكثر من ثلث قرن، يوم كانت ترسم البسمة على شفاه أهلها وروادها، وتعطر الأجواء فرحًا وابتهاجًا في كل الأنحاء.
* الأمر الآخر الذي سرني كذلك وتوقفت عنده؛ هو روح النقد الإيجابي التي اتسم بها النقاش في إطار من (التقييم ثم التقويم). الأمر الذي يؤكد أنه لا يوجد عمل بشري أو نشاط إنساني كله إيجابيات بدون سلبيات. سلوك الناس أينما كانوا؛ منوط به الصح والخطأ، ولهذا؛ فإن طرح كل هذه الإيجابيات والسلبيات على بساط البحث ومعالجتها؛ هو الطريق الأصوب للتقييم المؤدي بدوره إلى التقويم في المستقبل.
* شهدت أكثر من منطقة وأكثر من مدينة في عموم المملكة صائفة هذا العام -وليس الطائف وحدها- برامج فنية وثقافية وسياحية وتراثية وتسويقية جيدة وملفتة، وشكلت عوامل جذب كبيرة للأسر من ساكنة هذه المناطق والمدن، أو من السياح القادمين إليها. إن كثافة الحضور لحفل فني أو مسرحي في سوق عكاظ على سبيل المثال؛ لا يُعزى فقط لعزوف بعض الأسر عن السفر للخارج، ولكن لما يمثله هذا النشاط المحلي من جذب أولاً، ولما يعكسه من شعور لدى المتابعين من قيمة تاريخية واجتماعية وتراثية محلية، كانت إلى وقت قريب في صندوق الممنوعات والمحظورات.
* هناك كثير من الجهات الرسمية والأهلية التي ساهمت وشاركت في تقديم برامج ترفيهية وثقافية شائقة كانت محط تقدير الجميع، يأتي في مقدمة هذه الجهات الراعية والمنفذة: الهيئة العامة للسياحة، وهيئة الثقافة، وهيئة الرياضة، وجمعيات الثقافة والفنون، ومع النجاح الكبير الذي لاقته هذه البرامج المكثفة، هناك ما هو مجال للكلام على طريقة لو ولو.. وهذا أمر طبيعي، لأن الكمال في كل شيء مطلوب، والنقص مرفوض، ولهذا سمعنا في أثناء النقاش من يتحدث بصورة ما عن تصرفات فردية تصاحب عادة كل عمل يتم، ومن يتمنى لو جاء المهرجان المسرحي أو الحفل الغنائي أو المعرض الفني على صورة كذا وكذا.. هذا جميل على كل حال، والأجمل منه؛ أن تتضافر جهود كثيرة من أكثر من جهة لرصد ودراسة كافة المستويات الفنية والثقافية التي شهدتها المناطق والمدن من كافة الجوانب، وتوضيح جوانبها الإيجابية والسلبية، بهدف تقييمها ودراستها وتقويم ما اعوج منها قبل الصائفة القادمة.
* أعتقد أنه من مصلحة كافة الجهات التي تنفذ البرامج الصيفية أو تشرف عليها رسمية كانت أو أهلية؛ معرفة رأي المجتمع في أدائها وفي مستويات فعالياتها، ومعرفة أوجه القصور عندها لكي تتفاداها في المستقبل. من هنا تأتي أهمية الاستعانة بخبرات علمية في القياس وفي التشريح وتقديم مقترحات عملية مفيدة. ليس هذا فقط. ولكن ومما لمست؛ فإن السلوك العام في الشارع يشغل أهل المدن، ويتحدثون عادة عن سلبيات تظهر لها علاقة مباشرة بالنظام الذي يجب أن يُحترم من الصغير والكبير، وتمس الذوق العام والأخلاق العامة، وتتسبب في تشوه بيئي وبصري. إن وجود دراسات علمية مستفيضة على هامش دراسة ما يقدم من برامج صيفية أمر جيد، حتى إذا فُتح النقاش في لقاءات شهرية أو دورية على مستويات رسمية وثقافية واجتماعية، تكون هناك أرضية جاهزة تُبنى عليها أفكار وحلول إيجابية، وليس فقط وجهات نظر تطرح؛ وتعقبها أمنيات بنوايا حسنة دون شك.
* منذ أيام وأنا أسأل نفسي: ماذا بعد صائفتنا هذه..؟ تابعت عن قرب وعن بعد؛ الكثير من الأنشطة التي شهدها سوق عكاظ (الأدبي الثقافي التاريخي)، وما نفذ من خلال جمعية الثقافة والفنون، وكذلك ما شهدته أبها والباحة وبعض المدن في أكثر من منطقة. هناك انطباع أشعر أن الكثيرين يشاطروني فيه، ألا وهو أن المجتمع السعودي أخذ يعود إلى رشده.. إلى طبيعته وإنسانيته.. إلى تاريخه وتراثه وقيمه التي غطاها غبار الصحوة المضللة. حسنًا.. ماذا بعد..؟ ماذا لدينا لكي نبدأ به صائفة جديدة في العام القادم..؟
* للجواب عن سؤال كهذا؛ لا بد أن نقوم بمراجعة دقيقة لما قدمنا حتى اليوم. مراجعة للتقييم المفضي إلى التقويم في النهاية، ثم ننطلق بما نملك من قوة وعزم؛ لتقديم الأفضل الذي يساهم في تنشيط السياحة في كافة المدن.