ياسر صالح البهيجان
انشق أحمد ربيع غزالي عن جماعة الإخوان عام 2005، إثر خلافات داخلية نشبت بفعل أوامر تعسفية صادرة عن مكتب المرشد العام. صمت غزالي 12 عاماً قبل أن يؤلّف كتابه «ألغام في منهج الإخوان»، والذي يعد من أكثر الكتب التزامًا بالمنهج النقدي والموضوعية في الطرح والاستدلال الحجاجي على منهج الجماعة بالقرآن والسنَّة وما أجمع عليه أئمة السلف.
شخص غزالي أعظم علة تعاني منها الجماعة المتطرفة، والمتمثلة في سعيها إلى الاستقواء بالسلاح وعسكرة الشباب لمواجهة النظم الحاكمة في العالم العربي التي يرى الجماعة كفرها حتى وإن كانت تعلن بأن الإسلام دينها الرسمي، وراح ينقل ما قاله مؤسس الجماعة حسن البنا الذي كفَّر الحاكم بالمعصية وهو خلاف لمنهج أهل السنة والجماعة، واقتصر البنا مشروعية الحكم بتولي أحد أفراد الجماعة له بحجة أنهم وحدهم القادرون على الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي دون غيرهم.
وكشف غزالي في كتابه عن أحد أبرز مبادئ الجماعة وهو مصطلح «العنف المرجأ» أي استخدام منهج الانقلابات على الحكام ولكن بعد استكمال القوة وتجهيز العتاد وتأهيل الأتباع والأنصار لخوض تلك الحرب المقدسة كما يزعم مؤسس التنظيم، وهو ما كان سبباً منطقياً يبرر ملاحقة الحكومات العربية لتلك الجماعة ومحاربتها والزج برموزها في السجون قبل أن يكتمل مشروعهم الانقلابي.
وتناول الكتاب كذلك حجم التناقضات لدى الجماعة، فحين كانت ترفض الاستعانة بالقوى الأجنبية في حرب الخليج، ذهبت لتهادن أمريكا إبان فترة أوباما وتقدّم لها الولاء والطاعة لكي تحظى بدعم لإسقاط حكم مبارك وبمباركة من مكتب المرشد العام، وعندما تحقق لها ما أرادت واعتلى مرسي سدة الحكم، كرَّر ما فعله أسلافه ممن كفرتهم الجماعة، فأعرب عن التزامه بمعاهدة كامب ديفيد التي كانت الجماعة ترفضها في السابق، وأقرّ بمشروعية حفظ أمن الكيان الصهيوني، وجدد تراخيص الملاهي الليلية، وحلّل ربا البنوك بحجة أنها أتعاب إدارية، وكان ذاك انقلاباً على المنهج الإخواني ذاته، وكشف أن شعارات الجماعة كانت جوفاء ولم يكن من قصد وراءها سوى الاستحواذ على السلطة دون التزام بأي مشروع إسلامي حقيقي.
الحق أن كتاب غزالي وشهادات غيره ممن عاصروا الجماعة وعاشوا في دهاليزها كفيلة بأن تقودنا للإيمان بمدى خطورة توجهها الفكري ومشروعها الفوضوي في المنطقة، وكفيلة أيضاً بإحداث صحوة حقيقية في المجتمعات العربية، وتحديداً لدى من خدعوا لعقود وصدّقوا بأن الإخوان يحملون رؤية إصلاحية من شأنها أن تحقق الازدهار والنماء لمجتمعاتنا.