علي الخزيم
هم فئة يتوهمون امتلاكهم موهبة خفة الدم والظل، وإن باستطاعتهم إضحاك الناس بكل الأحوال، فتجدهم يفتعلون ما يرون أنه مادة (كوميدية) يستجدون بها ابتسامات من يشاهدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من فئة الشباب والصغار ممن لا يدركون خطورة ومساوئ المحتوى المتداول المُطعَّم بتُرَّهات وسفاهات بدعوى جذب الأنظار.
الحديث هنا لا يمس ذواتهم بل ما يقدمونه من محتوى لا يرقى لمستوى المشاهد العادي الباحث عن المعرفة ومتعة المشاهدة، ناهيك عن فتية صغار تجذبهم الحركة والكلمة والتعليقات المستظرفة، وبالتدرج يقعون بالمحذور من سفاسف (المتكومدين) أي المستظرفين من مدعي الشهرة، ولا يمكن اتهامهم بتعمد الإفساد لكنها البضاعة الرخيصة تفسد أذواق وأخلاق الناشئة والمراهقين من الجنسين وهم أكثر المتلقين لهذه المحتويات الباهتة، والظرفاء الحقيقيون يُعرفون من خلال مجالس الأُسر وتجمعات الأصدقاء، تجدهم تلقائيين بخفة روحهم المرحة فهم لا يسعون للشهرة ولا يتصنّعون الفكاهة خُلقوا بهذه السجايا؛ خيال واسع وبساطة بالتعامل وبروح دمثة الخلق، ويحافظون على قيمتهم الاجتماعية كما يحرصون على احترام ذوق ومشاعر المتلقين.
ولقياس خطورة المحتوى السيئ يمكن مقارنة عدد المتابعين لأحد المستظرفين ـ وعلى سبيل المثال ـ بمتابعي مقدم برنامج تأريخي يُعْنَى بحضارة العرب وآثارهم وأدبهم وفروسيتهم الذي أمضى سنيناً جوَّاباً للطرق بإرجاء المملكة بعمل إعلامي جيد ليُحيِي بأذهاننا سيرة أجدادنا وتاريخ أسلافنا الناصع وتقريبنا إليه لحفظه والتآسي به، أو بشباب من أبناء المملكة وبناتها ممن أفنوا أحلى سنين شبابهم بالتحصيل والدراسة بمختبراتهم ومعاملهم البحثية لا تعرفهم أكثر شرائح المجتمع؛ علماً أن المراكز العلمية والطبية بالعالم تتابعهم وتطلب علمهم وخبراتهم والأسماء المُشرِّفة كثيرة، ذلك لأن الأضواء لا تسلط عليهم كما تسلط على مقتحمي الساحة ببضاعتهم الرديئة، كما أن صورة الفقير الإفريقي بأسماله البالية الجالس على باب كوخه (الخوصي) المتهالك بحي فقير وهو ممسك بمصحفه يتلو القرآن حَظِيَت بإعجاب الكثيرين وفاقت صور العشرات ممن يدَّعون الشهرة وخفة الظل، حتى إن هناك من أطَّرها وعلَّقها بمكان مناسب بمنزله، فالقيمة بالمحتوى لا بحركات (الاستهبال) البالية، أشعر أحياناً أنهم في مسابقة للإنسان الأثقل دماً بالكرة الأرضية، وبعضهم يصيب المشاهد بالغثاثة والغثيان وتوابعها، والحل بالتأكيد ـ أيها الفتيان ـ وبدون استشارة أي خبير أو طبيب هو بتركهم والبعد عن مشاهدتهم ومتابعتهم أو تتبع أخبارهم، فلدينا آداب عامة ومنظومة قيم لا نريد أن تُهدم بما يُقَدَّم من مواد ومحتويات رخيصة تُخِل بالذوق العام لدى أبنائنا، وتقلب مفاهيمهم الأخلاقية وعادات وتقاليد الآباء والأجداد، وما تربوا عليه من شيم وقيم حميدة، ومما يكرس لديهم أن أولئك المتسلقين قدوات بزعم كثرة المتابعين ودعوتهم للمناسبات والتجمعات لترويج ما يراد ترويجه من بضاعة أو نحو ذلك.
صغارنا وشبابنا أمانة بأعناق المجتمع وكل من تناط به مسئولية رعايتهم وحفظهم؛ وممن يملكون المقدرة وتتوفر لديهم الدراية بمتطلبات وحاجات الأجيال الناشئة والقادمة وحراسة عقولهم من الشوائب المحدقة بهم، هم ركائز التنمية فاحرصوا على تنمية مداركهم وحسهم الوطني.