د. عبدالرحمن الشلاش
بين الأبيض والأسود تقع المنطقة الرمادية. هذه المنطقة شاسعة المساحة ممتدة أطرافها بعيدة تلامس حدود الأبيض والأسود. في المجتمع من يقعون في المنطقة البيضاء واضحون شفافون وطيبون ومحبون للخير وأصحاب مبادئ ثابتة حتى ولو كان لديهم بعض التشدد أو حتى التساهل لكن يظل التعامل معهم مريحا ولن تجد أي متاعب عندما تناقشهم أو تتحدث معهم لأنك تمكنت من خلال معايشتهم من قراءة أفكارهم وتوجهاتهم وبالتالي سهل عليك اتباع أسلوب معين للتعامل معهم. تجد منهم الوسطي في تعاملاته وفي تفكيره وسلوكه ونظرته للحياة يحارب أي نوازع للشر ويتمتع بقدر عالي من الإيجابية.
المنطقة السوداء سكانها لا يعانون من التذبذب والازدواجية ولديهم ثبات عالٍ جدا لكنه في اتجاه معاكس للمنطقة البيضاء. السوداوي سلبي بل ويصل لدرجة أن يتحول لخطر كونه ينزع للتشاؤم والتثبيط وبث الإحباط بين الناس وزرع الهلع والخوف في نفوسهم. شرير في تصرفاته لا يعجبه العجب يظل دائما في سعي حثيث للبحث عن أي نقطة سوداء، ورغم سوء هذه النوعية من البشر إلا أن ثباتهم في هذه المنطقة يسهل كثيرا التعامل معهم للإدراك المسبق بفكرهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم والحذر منهم ينفع وتجنبهم خير وسيلة.
في زمن المصالح واللهاث الشديد وراء المال والشهرة والمناصب والمكانة الاجتماعية والعلاقات الواسعة والحصول على الهبات لم تعد تفرق كثيرا بين البشر حتى المصداقية والشفافية وأمور كثيرة باتت غير واضحة، وكأن أغلب الناس أصبحوا يعيشون في منطقة بين الأبيض والأسود هي المنطقة الرمادية.
الشخص الرمادي طينة وعجينة جديدة طرأت على مجتمع نامي متطلع للتقدم ولديه رؤية جديدة وطموحات لا حدود لها. عرف هذا المجتمع في فترات سابقة بالطيبة في العموم، كثرة طيبة وقلة أشرار. حاليا كثيرون يهيمون في المنطقة الرمادية، متلونون حسب المصالح، لا تستغرب حين تجد شخصا لديه انحرافات سلوكية قد تصل إلى أنه لا يمانع من أخذ الرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، ويكذب ويسرق ويفسد العلاقات بين الناس ويعد تلك التصرفات من الذكاء الخارق، لكنه في المقابل يحب الصالحين وهو ليس منهم، ويدافع عن المتشددين والمتطرفين ويبرر للإرهابيين ويدعو لمحاربة كل المخالفين ويسعى لعقد صداقة دائمة مع بعض المشايخ والدعاة ليثبت أنه دائما مع الخير. تجده يدافع عن السياحة الداخلية لكنه أول الهاربين لقضاء إجازة طويلة خارج الوطن. هذه العينات هي أخطر الفئات لأنها تمارس في النهاية النفاق بكل ألوانه تظهر بوجوه متعددة يصعب التعامل معها ليس لها مبادئ ثابتة. يبقى التعامل معها محفوفا بكل الصعوبات والتحديات.