سلمان بن محمد العُمري
مما لا شك فيه أن الأسرة ركن أساس في تنمية محبة الوطن وتعزيز الانتماء إليه ولا أقول غرس المحبة، فمحبة الأوطان مغروسة فطرياً في نفوس جميع البشر، ولكن هذه المحبة تتسع وتضيق بحسب الظروف المحيطة بها على مدى عمر الإنسان، ولكن البيت والمنزل هو المحطة الأولى التي يبقى تأثيرها أمداً بعيداً.
والأسرة المترابطة سينشأ في أحضانها الأبناء وسيكون صلاحهم مرتبط ارتباطاً مباشراً باستقرار الأسرة، ويأتي مكمل آخر ومهم وهو البناء والأمن النفسي والتربوي فليس المأكل والمشرب هو المطلوب، ولكن تعزيز محبة أفراد الأسرة فيما بينها ومحبتها لمجتمعها ولوطنها وأهلها سينمو شيئاً فشيئاً، ومن اعتاد من والديه الرعاية الكريمة والتربية الحسنة والقدوة في الإخلاص للمجتمع، والايثار للقريب والبعيد، ومكافأة الإحسان بالإحسان، والذكر الطيب والوفاء لمن أحسن إليه وما يقدم له سيبقى على هذه التربية في مستقبله، ومن تربى على الشكوى والتذمر والقنوط والانتقاد وإساءة الظنون سينشأ على هذه العادات غير السوية، وربما ضاق الأمر حتى مع أقرب الناس إليه؛ فمن لا خير فيه لأهله، فلا خير فيه لوطنه ومجتمعه. ومن أساء بأقرب الناس إليه فسوف يسيء للبعيد، ومن ألف الود والمحبة والاحترام والإيثار والتضحية سيكون خلاف هذا الذي تربى على حب الذاتية، والنظرة الضيقة التي لا يعتني ولا يتم فيها سوى بنفسه وماله من خصوصيات وليته قصر على ذلك بل حتى شكر الناس وليس في قاموسه سوى نفسه. ولا يذكر ولا يشكر من أحسن إليه، ولا يذكر سوى ما يراه حقاً له، ولا يريد إلا الكمال فيما يتعلق به.
ما الذي سيجنيه الابن وهو يسمع والده المتذمر ليلاً ونهاراً من كل ما حوله فهو لا يعرف سوى التشكي والتذمر في كل حال، ولا يحمد الله ولا يشكر الناس. هل ترون أن الابن في قابل الأيام سيكون شكوراً وهو الذي لم يألف سوى النقد والذم والشكوى، في حين أن الابن الذي تربى على الشكر والحمد والمحبة والصبر سيكون من عوامل بناء المجتمع فبمثل هؤلاء تقوم المجتمعات والأوطان على أهل العطاء والولاء والمحبة والأخاء والشكر والإخلاص والتضحية والوفاء والتفاؤل وليس اليأس والقنوط والشكوى والتذمر.
لسنا مجتمعاً مثالياً كاملاً فهناك قصور وأخطاء ولنا مشاعر وأحاسيس وعواطف، ولكن ديننا الإسلامي أمرنا بأن نضبط المشاعر والعواطف والأحاسيس بل والصالح بضوابط محدودة لا نتجاوزها فلا إفراط ولا تفريط. قد نغضب وقد نتذمر من أي موقف من المواقف ولكن هذا يكون في حدوده، وفي وقته ونكمل المسيرة فنحن بشر لنا أحاسيس ومشاعر وعواطف ومصالح سنتأثر بما حولنا، ولكننا لا نبقى نجتر ونلوك كل ما نراه سلبياً أو نقصاً في كل وقت وفي كل حين وننسى أموراً كثيرة فيها الخير والإيجابية ولا نرى سوى نقاط يسيرة في صفحة بيضاء ناصعة.