القصيم - خاص بـ«الجزيرة»:
أكَّد خبير متخصص في علم الاجتماع الجنائي على أنه لا يوجد إستراتيجية وسياسة واضحة المعالم لمحاربة الإرهاب والفكر الضال في المؤسسات التربوية، وما هو موجود مجرد اجتهادات للأمن الفكري في التعليم.
وأرجع الدكتور يوسف بن أحمد بن عامر الرميح أستاذ علم الاجتماع الجنائي ومكافحة الجريمة والإرهاب، والمستشار في مكتب صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم في حواره مع «الجزيرة» أرجع الأسرة السبب الأساس وراء انحراف الشاب للجريمة والإرهاب والعنف والمخدرات وغيرها، مشيراً إلى أن المؤسسات الشرعية تقف على قمة الهرم في مكافحة الإرهاب والفكر الضال، ومكافحة الجريمة بكل أنواعها.
كما تناول الحوار مع الخبير الدكتور يوسف الرميح عدداً من المسائل والقضايا المتعلقة بالأمن الفكري، وسبل مكافحة الجريمة، وغير ذلك من الموضوعات.. وفيما يلي نص الحوار:
* هل تعتقدون أننا بحاجة إلى إستراتيجيات جديدة في مواجهة خطاب الغلو والتطرف؟
- نعم نحتاج لإستراتيجية قوية وواضحة وهادفة لمواجهة الإرهاب والفكر الضال والتشدد والفكر الحزبي المتطرف والجماعات العنيفة المتشددة، حتى نستطيع القضاء على هذا الفكر الخبيث ونعيش بسلام.
فلا يشك عاقل بأن الفكر الضال هو أساس الإرهاب، فالإرهاب السلوكي والقتل والدمار ما هو إلا نتيجة حتمية للفكر الضال في الأساس والذي أهمل وترك حتى استفحل وانتشر، وكان الأولى علاجه من البدايات حيث إن ذلك أسهل بكثير للجميع.
* ما الطريقة المثلى لتفكيك خطابات العنف، ورفع الوعي الفكري والأمني في المجتمع؟
- الطريقة المثلى لتفكيك خطابات العنف ورفع الوعي الفكري والأمني في المجتمع هي عبر خطط إستراتيجية طويلة الأمد تبدأ مع الأطفال مع الطالب والطالبة في الروضة بحيث نبدأ مع الطفل والطفلة بعمر ثلاث إلى أربع سنوات مثلما نعلمهم اللعب نعلمهم حب الوطن وأهمية الأمن والاستقرار والحياة والهدوء والسمع والطاعة، ويجب أن نزرع فيهم كذلك معرفة خطر الفوضى والعنف، وهذه تبدأ منذ مراحل الطفولة المبكرة جداً وتنمو مع الطفل ويتعلمها في جميع مراحل الدراسة بطريقة جميلة جذابة حيوية مبتكرة ديناميكية تراعي عمر الطفل وحالته النفسية وتنمو معه. كذلك من المهم نشر الثقافة الأمنية في الأسرة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعية الحديثة كافة، بأن نعلم المرأة والرجل داخل المنزل بأهمية الأمن والاستقرار والسمع والطاعة وخطر الفوضى والعنف والاقتتال. الكلام نفسه يقال عن المسجد، فيجب على المسجد أن يأخذ دوره في التوعية المجتمعية، بأن يكون له هدف في أمن المجتمع عن طريق لوحات في المسجد معبرة عن الأمن ودوره المحوري والرئيس في المجتمع، وكلمة للإمام عن أهمية الأمن والوطن ولو في الأسبوع مرة، كذلك دور إمام المسجد في تفقد جماعته والحرص عليهم ومعرفتهم ونصحهم والتعاون مع الجهات الأمنية عند ملاحظة أي شبهة أو مشبوه في المسجد أو قريب منه.
* في ظل المتغيرات الحديثة، والانفتاح الكبير.. ألا ترون أن الحاجة تدعو إلى ترسيخ مكارم الأخلاق في المجتمع؟
- في كل وقت نحتاج لدعم وتقوية وزيادة جرعات مكارم الأخلاق في المجتمع، فهي - بعون الله وتوفيقه - الحصن الحصين ضد الكثير من الأمراض والآفات الاجتماعية التي نعاني منها الآن بسبب المادية المفرطة التي تغزو مجتمعنا مثلها مثل باقي المجتمعات القريبة -للأسف- فلسنا بمعزل عن العالم حولنا.
* المؤسسات الشرعية في رأيكم ما ترتيبها في خطوط الدفاع عن أمن المجتمع وسلامته؟
- لا شك أن المؤسسات الشرعية تتربع في قمة الهرم في مكافحة الإرهاب والفكر الضال وكذلك في مكافحة الجريمة بكل أنواعها والعنف والمخدرات، وأي فكر أو سلوك دخيل على المجتمع، حيث أن لهذه المؤسسات الشرعية قيمتها وأهميتها ورمزيتها واعتبارها بين الناس وتمثل القدوة والمثل الأعلى خاصة للشباب، فمن هذه المنطلقات تقع مسئولية عظيمة على هذه المؤسسات الشرعية من المساجد للجوامع للأئمة للهيئات الشرعية المختلفة وغيرها من المؤسسات الشرعية، والتي تقوم بأدوار مهمة ورئيسة في المجتمع في مكافحة الإرهاب والجريمة والعنف بكافة صوره وأشكاله.
* غياب الإستراتيجيات والسياسات الموجهة نحو تفعيل الأمن الفكري، هل هو السبب خلف العقبات التي تواجه مؤسسات التربية والتعليم في تعزيز مفهوم الأمن الفكري بطريقة سليمة؟
- نعم للأسف الشديد يوجد اجتهادات للأمن الفكري في التعليم لكنها ليست شاملة وواضحة المعالم، فليس هنالك من إستراتيجية وسياسة واضحة المعالم لمحاربة الإرهاب والفكر الضال في المؤسسات التربوية تبدأ من الروضة وتستمر مع الطالب والطالبة حتى التخرج من الجامعة، فالموجود اجتهادات وهي بلا شك اجتهادات ممتازة وجيدة ورائعة ومثالية ولكن المطلوب خطة وطنية شاملة متكاملة، مثلاً لدينا في منطقة القصيم حملة (معاً ضد الإرهاب والفكر الضال) والتي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم منذ ما يزيد على السنتين وتشمل جميع مناحي المنطقة بجميع الإدارات العاملة الحكومية والخاصة والخيرية، ولها حضورها الجماهيري والميداني وتشاهد - بفضل الله - في كل ميدان، وحضورها الإلكتروني ممتاز، وحضورها كذلك في وسائل التواصل الاجتماعية رائع. مثل هذه الحملة المباركة نتمنى أن تراها شاملة ومتكاملة في كل مناطق المملكة. وهذا أقل من القليل الذي نقدمه لوطننا الذي قدم لنا الكثير في سبيل أمن هذا الوطن واستقراره وعزه ورفاهيته.
* ألا توجد مؤسسات في المجتمع المدني لكشف الخلل في الأسرة الذي تسبب في الانحرافات السلوكية والفكرية وتقديم العلاجات المناسبة قبل استفحالها؟
- تعتبر الأسرة لنا أهل العلوم الجنائية والمتخصصين في الجريمة والإرهاب من أصعب وأعقد المواضيع على الإطلاق، والسبب يرجع لأن الأسرة هي السبب الأساس وراء انحراف الشاب للجريمة والإرهاب والعنف والمخدرات وغيرها.
قد يكون من غير قصد نعم ولكن بسبب الإهمال، فالإهمال هو نوع من أنواع العنف الذي تمارسه بعض الأسر على أبنائها، كذلك يتعلم العديد من الأبناء أنواع الانحرافات من الأسرة، والمصيبة أنه في دراسات كثيرة تثبت أنه حتى الأسر الجيدة والعادية قد ينحرف الشاب ويتحول للإرهاب والأسرة في غفلة تامة عنه، وهذه هي المشكلة أين دور الأسرة هنا.. الشاب لا يتحول لإرهابي بين يوم وليلة أو لمدمن مخدرات أو لمجرم بل يحتاج لوقت، فأين الأسرة أين والدته ووالده، أين إخوته وأخواته، ألم يلاحظوا عليه تغيرات وغياب وتصرفات وكلمات بذيئة عن وطنه وبلاده وولاة أمره وأمنه، ومن سهر خارج المنزل وأصدقاء غرباء وأموال مشبوهة واتصالات غريبة وخروج من المنزل في وقت متأخر وعدم الرجوع وعدم الاهتمام بالأمور الأسرية كما كان يحصل، وكره وحقد على وطنه ورموز وطنه وتكفير للعلماء وولاة الأمر وحب للموت والكلام عن الموت وكره الحياة وأن الحياة لا قيمة لها، وإحضار سيديات ومنشورات مشبوهة وتغيير اسمه لكنية والكلام عن الحروب والجبهات والقتال والدماء.
أين أسرته هنا في هذه التغيرات في عقل وفكر هذا الشاب، فهذه التغيرات تأخذ من ثلاثة لستة أشهر من التحولات النفسية والاجتماعية والفكرية في عقلية ونفسية هذا الشاب.
للأسف البعض لا يكتشف ابنه أنه تحول لعالم الإرهاب حتى تأتي صوره في وسائل الإعلام أنه قام بتفجير مكان ما، ثم تقع كارثة وطامة ومصيبة على الأسرة كلها في المقام الأول لأنها أهملت في الرقابة الأسرية ولم تقم بواجبها على النحو الصحيح والواجب عليها.
* متغيرات يومية على الساحة مما يستوجب إستراتيجيات جديدة للتعامل مع المشكلات الأمنية ترى هل من خطط ودراسات مستقبلية في هذا الاتجاه؟
- الجريمة والإرهاب تتطور وأساليب المجرمين والإرهابيين تتطورت سريعاً كذلك، لذلك نشاهد أن أساليب الجهات الأمنية أيضاً تتطورت أكثر وأسرع منها، وتبعاً لذلك وفي الغالب تسبقها. والسبب أن الجهات الأمنية تتعاون فيما بينها حول العالم وتنسق الجهود بينها وتبنى جهودها حثيثاً على ما سبق، ولدى الجهات الأمنية خبرات تراكمية كبيرة اكتسبتها على مدى سنوات يتناقلها جيل من جيل.
والجهات الأمنية السعودية تسبق تلك أيضاً بالكوادر المدربة تدريباً عالمياً عالياً من أفضل وأرقى المدارس والأكاديميات الأمنية حول العالم، وذلك باستقطاب الأساتذة المتميزين بالعلوم الأمنية المختلفة من حول العالم، وكذلك إرسال رجال الأمن لأخذ دورات مكثفة ومتخصصة في مجالاتهم الأمنية المختلفة مما يمكنهم من مباشرة مهام عملهم بكل اقتدار، وكذلك يميز رجال الأمن السعوديين الثقة المطلقة وبلا حدود التي يوليها ولاة الأمر -حفظهم الله- بهم والتي مكنتهم من أداء عملهم بكل حرية وديناميكية واقتدار وإبداع يندر ما تراه في أي مكان آخر.
* الأمن الفكري جزء من منظومة الأمن العام في المجتمع ونحن في عصر الانفجار المعرفي والانفتاح على مختلف الثقافات والحضارات. كيف نطمئن إلى سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديدًا للأمن الوطني؟
- الأمن الفكري هو بلا شك الركيزة الأساس للأمن العام والحاضن المهم له، لذلك فالفكر يسبق السلوك، ولذلك إذا لم نعالج الفكر فسوف نقع عاجلاً في مشكلات سلوكية متكررة. إذن يجب أن يكون تركيزنا وهدفنا الأول هو الأمن الفكري وهو من جوانب عدة أن نتأكد من صفاء ونقاء عقيدة شبابنا ووسطيتهم وبعدهم عن البدع والخرافات، وأخطر من ذلك بعدهم عن التكفير والتشدد الديني المحرم والتزمت المقيت الذي يحرم ويجرم كل حلال ومسموح.
ديننا دين الوسطية والاعتدال والسماحة، وللأسف هناك من يحاول اختطاف ديننا القويم ليكون دين التشدد والإرهاب والقتل والدماء والأشلاء، فأين الإسلام من ذلك، أين دين الرحمة ودين المحبة ودين الصِّلة وصيانة الأنفس المعصومة.
للأسف يجب أن نعترف ونقدر أننا أمام معركة كبيرة ضد أرباب الإرهاب والفكر الضال، ولابد من الانتصار في هذه المعركة التي تبدأ من الأمن الفكري والذي يعد الأساس للأمن السلوكي. وكمتخصص في الجريمة والإرهاب أقولها بصراحة إن الفكر هو أساس الجريمة، مثلاً جريمة المخدرات يسبقها فكر يبيح هذا السلوك ويوافقه ويسهله، وهذا نفسه ينطبق على الإرهاب فالإرهابي ذلكم المجرم الخبيث لا يقدم على جريمته ما لم يثبت في عقله وفكره ووجدانه أنه يكره وطنه ويحقد عليه ويتمنى زواله ويريد إفساده بأي طريقة وبكل شكل. وهذا ما زرعه داخله أرباب الخلايا الإرهابية الخبيثة من حقد دفين وكره لهذه البلاد المباركة وولاة أمرها ومقدساتها وشعبها ومقدراتها، كل ذلك بسبب النعم التي يجدها أبناء هذه البلاد المباركة والأمن والاستقرار الذي يعيشونه وسط هذه الغابة الموحشة من الفوضى العارمة من كل الجهات، فكل ذي نعمة محسود.
وكل يتمنى العيش في هذه البلاد المباركة وحمل بطاقتها ورفع رايتها وهذا والله العز والرفعة بأن ترفع راية مسطر عليها كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وحتى نطمئن لسلامة الأمن الفكر لدى شبابنا تبدأ من الروضة للجامعة، لابد كما ذكرت من وجود مواد علمية صفية ولا صفية في عدد من المواد مثل: الكتابة والقراءة والتعبير والرسم وغيرها تتحدث عن الوطن ومحبة الوطن والسمع والطاعة.
كذلك نركز على الأنشطة اللاصفية في الإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية والرحلات والنشاطات والتوعية الإسلامية والمناشط الصيفية والمراكز الصيفية، كلها يجب أن تركز على أمن واستقرار الوطن وأهمية الأمن في المجتمع وتعليم الشباب وتحذيرهم من خطر الإرهاب والفكر الضال والتشدد والتكفير والتحزبات والجماعات التكفيرية والفكر الخارجي.
نحتاج فعلاً إلى منظومة عمل منسق موجود فعال ديناميكي حيوي جذاب محبب للشباب غير ممل يتحدث عن الأمن والسمع والطاعة وخطر الإرهاب والفكر الضال، وبالفعل بدأ -والحمد لله- في منطقة القصيم في حملة صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم لحملة #معاً_ ضد_ الإرهاب_ والفكر_ الضال، وقد لاقت الحملة صدىً واسعاً داخل المنطقة وخارجها، ونحن في المملكة بأمس الحاجة فعلاً لخطة شاملة لمكافحة الإرهاب والفكر الضال لنتمكن من أن نعيش جميعاً ونستمتع بوطننا.