محمد المنيف
لا يمكن أن يخلو مجتمع متحضر من سبل التعبير والإبداع أيًّا كان، رواية أو شعرًا أو فنونًا حرفية أو مسرحًا أو فنونًا تشكيلية؛ إذ إن هناك صلة دائمة بين ازدهارها جميعًا وحركة المجتمع وسرعة تطوره. وتبقى سبل ربط هذه الفنون بالمتلقي؛ لتصبح بالفعل مكملاً لنهضته وبنائه الإنساني.
وهذا الأمر يحتاج إلى تكاتف بين العديد من الأطراف بدءًا بالفنانين والإعلام والمؤسسات التعليمية العامة والأكاديمية (جامعات ومدارس)، والمؤسسات المتخصصة في التسويق (صالات العرض)؛ فالدور الأول يقع على الفنان ومستوى ما يقدمه من أعمال تستحق أن تأخذ مكانها بين الفعاليات المشابهة؛ لتحقق مكانتها في نفوس المشاهدين وصولاً إلى المقتنين. فما يحدث اليوم من ضياع لبوصلة الفن وتشتت إدارته وانغلاق الحركة الفنية التشكيلية على نفسها في معارض لا يعلم عنها المجتمع شيئًا لتجاهل الإعلام، وخصوصًا التلفزيون إلا ما ندر من التغطية المتجزئة.. هذا التقصير يشكل بعضًا من أسباب وجود الفجوة بين هذا الفن والمجتمع. ومن المؤسف أن نلقي باللائمة في هذا على المجتمع، والعيب فينا وفي إعلامنا وتعليمنا الذي يجعل الفن التشكيلي في آخر اهتماماته.. ولدينا الكثير من الأدلة.
كما لا ننسى نقص سبل الثقافة المتصلة بالفن سواء كانت من التعليم، وقصور دور مدرِّسي التربية الفنية في القيام ببرامج زيارات للطلبة وقت إقامة المعارض، أو تخصيص حصص للتعريف بمسيرة الفن التشكيلي، أو دعوة فنانين لإقامة معارض في المدارس التي لديها صالات عرض، أو الاستفادة من الصالات الرياضية فيها، إضافة إلى افتقار المدن للمتاحف الفنية.. مع الإشادة بالدور الجميل لبعض الأمانات أو البلديات التي تشجع الفنانين على التجميل وتصميم الأشكال الجمالية كثقافة جماهيرية؛ باعتبار أن مثل هذه المشاريع سبيل للتواصل مع العامة المارين بالأماكن التي تنفَّذ فيها تلك الأعمال الفنية.
ولا ننسى أيضًا المدارس والجامعات التي تهتم بالعديد من الأنشطة الترفيهية، وتتجاهل الفنون التشكيلي؛ إذ إن من الواجب أن تُدعى معارض، أو تقام لمنسوبيها وطلابها من الموهوبين.. وقد رأينا لجامعة الملك سعود تجربة ناجحة في إقامتها معرضًا لنخبة من التشكيليين العام الماضي، نأمل تكراره؛ فالجامعات والمدارس حاضنات اجتماعية، تثري المجتمعات بالأجيال.