د. عيد بن مسعود الجهني
يحفظ التاريخ عام 1319 هـ عندما انطلق الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من الكويت إلى الرياض.. وتمكن ورجاله الأبطال -رحمهم الله- من استعادة الرياض في فجر اليوم الخامس من شهر شوال 1319هـ/ 1902 م بقوة بلغ عددها ثلاثة وستين رجلاً.
وقد انطلقت شعلة توحيد المملكة العربية السعودية من على ترابها وتلقف التاريخ الحدث الكبير.. وأصبحت الرياض محط أنظار دول العالم.
الرياض عاصمة كبرى تضاهي أكبر مدن العالم تصل مساحتها إلى أكثر من 3000 كم مربع فريدة في ميدان فن العمارة والتخطيط والتصميم، فريدة في التطور العمراني والحضاري والعلم والمعرفة.
وإذا ذكرت الرياض لا بد أن يذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (أمير الرياض سابقاً) المستنير بنور الدين، المثقف المتسلح بالعلم، فهو العقل المدبر الذي قاد الرياض في زمن السلم والحرب وعرف بقدرته على إدارة الأزمات.
ويذكر التاريخ أن خادم الحرمين الشريفين كان وراء كل خطوة خطتها الرياض في التطور والتحديث والتنمية والازدهار في جميع المجالات، وبهذا الأسلوب القيادي في الحكم والإدارة أصبحت إمارة منطقة الرياض تمثل نموذجاً واضحاً لما يجري في المملكة من تطور وتنمية مستدامة غير مسبوقة على المستوى العربي.
هذه المدينة الكبرى يوم تم استردادها كان عدد سكانها بين 350 -400 نسمة واليوم تحتضن أكثر من 6.5 ملايين نسمة، ومن على أرضها صدرت وتصدر قرارات مصيرية لها تأثيرها البالغ في مستقبل جزيرة العرب خاصة وعلى المسلمين عامة، ومنها الموقف التاريخي لدعم مصر الشقيقة عام 1956 ضد العدوان الثلاثي عليها.
نفس الموقف اتخذته المملكة ضد العدوان الإسرائيلي عام 1967 واستمر خلال حرب الاستنزاف، ثم حرب 1973م، وقد كان الملك فيصل -رحمه الله- بطل المعركة، قطع البترول عن الدول التي وقفت مع إسرائيل وفي مقدمتها الدولة العظمى أمريكا، فكان الدعم السعودي عسكرياً واقتصادياً ومادياً أحد أهم أسباب النصر في شهر رمضان المبارك أكتوبر 1973م.
يذكر التاريخ أيضا أن الملك سلمان أشرف بنفسه على استضافة شعب الكويت الشقيق قادماً إلى المملكة. كما أشرف على توديعه عائداً إلى وطنه محرراً، بقرار تاريخي اتخذته المملكة ضد العدوان العراقي الغادر على دولة الكويت الشقيقة في أوائل شهر أغسطس 1990م.
ويذكر التاريخ قرار المملكة ضد التدخل الإيراني البغيض في مملكة البحرين الشقيقة.
ويذكر التاريخ قرار خادم الحرمين الشريفين التاريخي في التصدي للحوثيين وطهران في اليمن الشقيق دعماً لحكومته الشرعية والشعب اليمني.
الرياض تحتضن التطور السريع في جميع المجالات، راعيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، من ضمن ذلك التطور الذي سابق الزمن تشجير شوارع العاصمة الرئيسة والفرعية بأفضل أنواع شجر النخيل الذي يرفع رؤوسه عالياً في العاصمة.
وفي النخيل بركة ونعمة فثمارها من أغلى وأهم الثمار تفيد الإنسان في غذائه، حتى اعتبرت في السنوات العجاف قبل تأسيس المملكة في بعض مدن الجزيرة العربية التي اشتهرت بالنخيل المورد الأساسي لغذاء أهل تلك المدن بل امتد خيرها إلى مدن وقرى أخرى.
المؤسس والموحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- له كلمة بليغة في هذا تبرز اعتماد جنده على التمر في أحيان كثيرة حيث يقول: (يجيئونا في السلم فنعطيهم ما يحتاجون إليه من كسوة ورزق ومال، ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون منا شيئاً، يتمنطق الواحد منهم ببيت الخرطوش ويبادر إلى البندقية، ثم يركب الذلول إلى الحرب ومعه شيء من المال والتمر.
القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا كنا نمشي ثلاثة أيام بدون طعام يأخذ الواحد منا تمرة من حين إلى حين يرطب بها فمه) هذه الشجرة المباركة اختصها الله سبحانه وتعالى بفضائل كثيرة ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في أكثر من عشرين آية منها قوله تعالى {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} (23) سورة مريم ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (25) سورة مريم، الله جلّت قدرته ذكر النخل في القرآن الكريم لما يحتويه على فوائد غذائية عظيمة ومن محتوياته، المغنيزيوم والكالسيوم والأملاح المعدنية، فهو يقوي الجسم ويعوضه عما ينقصه... إلخ.
القرآن الكريم علمنا فوائد النخل التي تثمر كل عام ليستمتع الناس (بالرطب) الذي يستمر لفترة محددة (فصل الصيف) قبل أن يتحول إلى تمور يستفاد منها طوال العام غذاءً يؤكل ويتصدق منه، فالفقراء في أيام حصاد التمور ينتظرون بفارغ الصبر ذلك الموعد ليحظوا بحصتهم من زكاة ثمار الشجرة المباركة يأخذونها رطباً وتموراً، هؤلاء الفقراء ينظرون إلى النخل منذ بداية الطلع والتلقيح للنخل حتى يصبح رطباً وتمراً (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) ق الآية 10.. الله جلّت قدرته وصف النخيل وثمارها بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ، تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، ذَاتُ الْأَكْمَامِ، قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ، جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ، قال تعالى {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} يس الآية 34.
المملكة لها مكانتها المتقدمة عالمياً في زراعة النخيل وإنتاج التمور، وتنتج أنواعا عديدة متميزة من التمور يختلف سعر كل منها وأغلى سعراً (عجوة المدينة) عجوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة وفي السنة المطهرة قال -صلى الله عليه وسلم-: (من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) متفق عليه.
شجر النخيل اكتظت به شوارع العاصمة وغيرها من مدن المملكة، للتصدي للتلوث البيئي، وهذا أمر محمود يبرز مدى اهتمام الدولة ممثلة بوزارة الشئون البلدية والقروية من خلال أمانة مدينة الرياض وغيرها في المدن الرئيسية وتكلفت تأمينها عالية جداً، ناهيك عن صيانتها ثم إن الاستفادة من ثمارها اقتصادياً أو حتى بشكل محدود يستفيد منه المواطنين والوافدين يكاد يكون معدوما في زمن الاقتصاد والتجارة والاستثمار الذي من أساسياته الاستفادة القصوى من كل ذي زرع مثل النخيل وغيرها.
وبلغة الاقتصاد والاستثمار ليس هناك مردود لهذه الأعداد الكبيرة من النخيل التي ترفع رأسها بشوارع وميادين مدن البلاد، هذا لأن ثمرة تلك النخيل (للأسف) يحوطها التلوث الشديد من عوادم السيارات والمصانع وغيرها والطرق المرصوفة بالإسفلت واستمرار الإصلاحات على الطرق هي الأخرى مصدر رئيس للتلوث البيئي، يفوق طاقة النخيل للحد منه على الأقل، ولذا عمدت الجهات المسؤولة عن شجرة النخيل إلى قطع الثمرات وقت طلوعها (لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ).
هذا الطلع يجتث من أمه (النخلة) وقت طلوعه، وإذا بقي منه الفتات فإنه عندما يصبح رطباً وتمراً يتساقط على الأرض ويداس عليه بالأقدام، وبذا حرم الناس من هذه الثمرات الطيبات المباركات.
وأنا أجد للجهات المسؤولة عذرها، لأن تلك الثمرات لو بقيت لن تكون من الناحية الصحية صالحة للغذاء الإنساني لأن التلوث البيئي فعل فيها ما فعل وبذلك حرم الناس من هذا الغذاء الأساسي في حياتهم.
ولأن العاصمة بعد هذا التطور السريع الذي شهدته خلال العقود الماضية منذ ارتفاع أسعار النفط عام 1973 والذي امتد إلى مدن وقرى بلادنا، فقد استفادت تلك المدن والمحافظات والقرى من التجربة التي صنعها الملك سلمان.
ونظراً لتوفر بدائل كثيرة من الأشجار دائمة الخضرة غير ما كان بالأمس، هذا شجعني لأطرح اقتراحاً اقتصادياً واستثمارياً ومالياً، أتوخى فيه الفائدة الطيبة للعاصمة وسكانها من المواطنين والوافدين، وما هو إلا اجتهاد شخصي لعله إذا قبل يطبق في مدننا الرئيسية.
الاقتراح ببساطة اقتصادية واستثمارية، أن هذه النخيل كلفت خزينة الدولة مبالغ كبيرة، لكن مردودها الاقتصادي والاستثماري قد يكون معدوماً، ومن ثم فإن اختيار موقع مناسب قرب العاصمة يصبح (واحة للرياض) وحبذا لو أطلق عليها اسم الملك سلمان تقديراً خالصاً لما قدمه لهذه المدينة الكبرى ومناطق المملكة، ينقل إليه معظم أعداد النخيل في الوقت المناسب لنقلها زراعياً حسب الفصول ويستثنى من ذلك تلك النخيل حول الميادين العامة والحدائق وعددها قليل.
هذه الواحة ستكون واجهة حضارية وزراعية هامة لمدينة الرياض، وستصبح مقصداً للناس جميعاً، والزائرين للرياض، في جميع فصول العام، لأن النخيل هي دائمة الخضرة، وسيستظل بها الكثيرون ولن تكون تكاليف النقل عالية إذا أشرف على ذلك مهندسون زراعيون مختصون.
مدينة النخيل هذه إذا تحقق (الحلم) لكي تصبح واقعا بعد أن يتفضل خادم الحرمين الشريفين بالتوجيه لتخصيص الأرض، من المهم إجراء الدراسات الاقتصادية والاستثمارية والمالية والإدارية لهذا المشروع، وأنا أحد المتبرعين المشاركين بتلك الدراسات.
الدراسات ستوضح جدوى هذا المشروع الذي ستقوم عليه إدارة مصغرة ترتبط بالأمانة تضع الضوابط الشرعية والقانونية والإدارية والمالية لاستفادة مرتادي هذه المدينة من الخدمات الترفيهية التي تقدمها بحيث يصبح مشروعاً استثمارياً مربحاً أحد عناصره مصنع للتمور.
هذا لا يكلف الدولة الكثير لكنه سيصبح عملاقاً في الترفيه البريء وتعم فائدته كل زائريه وللدولة باعتبار أن مردوده الاستثماري يغطي تكاليف تشغيله ويزيد بل ويخلق فرصاً وظيفية جديدة.
السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو البديل لشجرة النخيل في شوارع العاصمة وغيرها للحد من التلوث البيئي، الإجابة في غاية البساطة العديد من الشجر دائم الخضرة والذي يتميز بتشكيلة هندسياً وفنياً ليصبح بهيج للناظرين، ومن تلك الأشجار ما نراه في شوارع الرياض وغيرها (كالفيكس) وتكلفته غاية في الرخص مقارنة بتكلفة شجرة النخل العالية.
إننا بذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر خلقنا مدينة نخيل واجهة حضارية ذات مردود مالي مطبقين قاعدة تنويع مصادر الدخل الذي تركز عليه الرؤية 2020 - 2030، ثم أحللنا محل النخيل أشجاراً تؤدي الغرض بأسعار زهيدة فخفضنا بذلك عبئاً على ميزانية الدولة التي هي تضخ الأموال في عروق وزارة الشئون البلدية والقروية والأمانات المرتبطة بها.
إنه حلم اقتصادي واستثماري ينسجم مع توجه الدولة في رؤيتها ومن هذا الحلم نشم رائحة الخصخصة، فهو يدور في فلكها.. وبهذا ترشيد للإنفاق.
والله ولي التوفيق،،،