عبد الاله بن سعود السعدون
قطع النظام الإيراني الكهرباء عن منطقة البصرة لوضع حكومة الدكتور حيدر العبادي في حرج أمام أهالي البصرة لارتفاع درجات الحرارة والتي تصل معدلاتها إلى أكثر من خمسين درجة مئوية في النهار وبهذا الجو الساخن والحاجة الماسة لخدمة الكهرباء وزادوا ملالي طهران بوسائلهم التحريضية بتحويل فضلات المصانع المالحة والملوثة نحو مياه شط العرب ليصبح ماء الشرب الذي يزود أبناء البصرة مالحاً بنسبة 30 % من أملاح الصوديوم الممنوعة صحياً ولكن سحر النظام الإيراني انقلب على نفوذهم في كل العراق فانتفضت مدينة البصرة بالتظاهرات ضد الأحزاب الطائفية المتنفذة من أصدقاء ملالي إيران وتم حرق مقرات حزب الدعوة وفيلق بدر وكتائب حزب الله وانتشرت شرارة الانتفاضة الشعبية في كل مدن الجنوب والوسط في الدولة العراقية رافعين شعارات بدأت بالمطالبة بتوفير خدمات الماء والكهرباء وتحولت بعد ثلاثة أسابيع من التظاهر والمصادمات مع رجال أمن إلى المطالبة بحكومة وطنية جديدة تحت شعار عراقي موحد (إيران بره بره بغداد صارت حرة)..
وجاءت الإجراءات الأمنية هذه قاسية بتنفيذها وذلك باستخدام الضرب وخراطيم المياه الساخنة واستخدام الرصاص الحي مما أدى إلى سخط شعبي كبير أثر استشهاد عدد من المتظاهرين في البصرة والناصرية وكربلاء. مما أفقد الثقة بحكومة العبادي وأصبحت ردود فعلها ترقيعية وبعيدة عن مطالب المتظاهرين وأدى ذلك لتصعيد المتظاهرين لسقف طلباتهم بمزج نقص الخدمات العامة ومحاربة الفقر والبطالة إلى المطالبة بحكومة إنقاذ وطني برئاسة شخصية عراقية مستقلة مشهود لها بالوطنية والنزاهة وحب الوطن العراقي وحسب ما عرضته المرجعية الدينية الشيعية في النجف بالتركيز على صفات رئيس الوزراء القادم (القوي الشجاع الحازم) واعتبرها كل المنضوين للعملية السياسية بمثابة خارطة طريق للخروج من الوضع المضطرب الذي يعيشه المشهد العراقي الحالي. فالتظاهرات تحولت لاعتصامات دائمة بمخيمات في الساحات والشوارع واشتركت القبائل والعشائر مع أهل المدن في التظاهرات والاعتصامات.
ومن جهة أخرى تحاول الحكومة إشعار المتظاهرين بالعمل الجاد بتلبية مطالبهم بتقديم حزم من الوظائف التعقدية ورصد مبالغ للمحافظات لتنفيذ مشاريع الخدمات المعطلة وكان آخر القرابين للتهدئة سحب يد وزير الكهرباء الفهداوي عن العمل وفتح ملف تحقيقي عن الهدر المالي في وزارة الكهرباء، وامتدت مطالبة الجماهير المتظاهرة بعزل وزير التخطيط والتجارة الجميلي بتهم فساد في الإعانة الغذائية للمواطنين.
الوضع السياسي العراقي معقد ولا يعيده للسكة الصحيحة اختيار رئيس وزراء قوي وشجاع وحازم والعملية السياسية بعيدة عن مصلحة الوطن العليا والعمل بدستور أعرج صاغه بريمر ممثل الغزو الأنكلو أمريكي الذي دمر الدولة العراقية.. ولو استعرضنا المشهد السياسي العراقي الحالي نجد العقبة الأولى والرقم المفقود الصعب في المعادلة السياسية انتشار المليشيات غير المنضبطة والتي تمدها إيران بالسلاح والمال وتعتبر ثقلا كبيرا يهز ميزان الأمن والسلطة والعدالة في العراق ومن الصعب جداً لأي رئيس وزراء قادم التخلص منها أو سحب السلاح عنها، والعامل الآخر أن الصفة المذهبية هي المميز لسكان الجنوب والوسط (البيت الشيعي) وشمول هذا التكتل الواسع من الجماهير العراقية بالصفة المذهبية وتجميد عقولهم الفكرية سياسياً ومن هذه المساحة الجغرافية الواسعة أفرزت أحزاب وطنية ورجال حكم متنافسين أيديولوجياً امتلأ تاريخ العراق السياسي بأعمالهم الوطنية.
الأيام القليلة القادمة حبلى بأحداث مفاجئة في مستقبل الحياة السياسية في بغداد الرشيد.. ويحدد معها نهاية التظاهرات الشعبية، فمطالبهم بتغيير العملية السياسية وكتابة دستور جديد يضمن حقوق الدولة والشعب ومطلب محاكمة لصوص المال العام والمفسدين فستصبح سراباً بعيد المنال بالتهدئة والتخدير بوعود مغرية مع التشكيل الوزاري الجديد والذي ينتظر إعلان اسم الشخصية التي ستعتلي كرسي رئاسة الوزراء الجديد بالتوافق الحزبي الوطني ومباركة القوى الإقليمية والدولية وتبقى الجماهير الشعبية المظلومة تهتف وتعاني من نقص الخدمات والبطالة والمرض والفقر ويبحثون عن الدولة الغائبة للوطن العراقي الذي مزقته الأطماع الداخلية والإقليمية والدولية.