د. محمد بن إبراهيم الملحم
أين ذهبت ذاكرة المدرسة ومن المسؤول عنها؟ أعتقد شخصيًا أنها مسؤولية الجميع ولكن في الدرجة الأولى تأتي المؤسسة التعليمية ويليها الطالب (أو ولي أمره في مرحلة الطفولة) ويتبدى هذا في حرصه على توثيق حياته المدرسية بالصورة وبالمذكرات سواء المكتوبة أو المسجلة، وهذا فعله كثيرون في الماضي وما زالوا يفعلونه في الحاضر مع اختلاف الأسلوب، ولكن يظل هذا مصنفًا في مستوى «الاجتهاد» و»المبادرة» ولا يحقق ضمانات حفظ أصيلة، كما لا يمكنه أن يمتد لما هو خارج صلاحية الأفراد كالحفاظ على هوية المبنى المدرسي مع مأسسة عمليات حفظ الموجودات وتوثيق اللحظات، في الواقع فإن المدرسة (أو المؤسسة التعليمية) هي من تملك ذلك وتضمن ديمومته، إن المؤسسة التعليمية عليها المسؤولية الأكبر بتسجيل هذه الذاكرة بالصوت والصورة بشكل سنوي وتخزينها في أوعية معلومات موثوقة ومصنفة ليسهل الرجوع لها، وليس هذا أمرًا صعبًا في وقتنا هذا (بل لم يكن صعبًا سابقًا في مستوى بذخ مؤسساتنا التعليمية) ولا تستغربوا أيها الإخوة إن جاء يوم في المستقبل ووجدتم من يسأل عن صور لمدرسة في وقتنا هذا فعلى الرغم من كثرة من يصورون اليوم لكنك لن تضمن أن ذلك بأسلوب صحيح (لطالما أوجعني رأسي من مقاطع فيديو مصورة بطريقة فجة وعشوائية بكاميرا تهتز وتدور بسرعة!) كما لن تضمن أنه يكون ذلك لكل مدرسة ولكل دفعة طلاب، ولن تضمن بعد ذلك أن ما تم تصويره يفقد! ولذلك كان تنظيم هذه الذاكرة أمرًا مهمًا ومطلبًا حضاريًّا، وهو مسؤولية المؤسسة بالدرجة الأولى وليس الأفراد.
ومن مسؤولية المؤسسة (وهو الأهم والأجدر) الحفاظ على الشكل التاريخي للمدرسة القديمة وإن تغير المضمون فلا شك أن تقدم الحضارة وظهور وسائل جديدة وربما توجهات جديدة يحتم إحداث تغييرات في الأثاث والتجهيز وبعض البنية التحتية مثل تمديدات الشبكات وخطوط الإنترنت، وهذا واجب ومطلب حضاري حتمي، ولكن كل هذا لا يتنافى مع الحفاظ على الهوية الشكلية لمبنى المدرسة إذا أعيد بناؤها أو ترميمها، وخاصة شكلها الخارجي وأبرز معالمها الداخلية لتبقى الذكرى الجميلة لطلاب هذه المدرسة، فما يضر المؤسسة التعليمية إن هي فعلت ذلك وما الخسارة المالية التي تعود عليها؟ قد يقول قائل هناك توجهات حديثة في التصاميم والشكل الجمالي للمبنى... وسأسأل هؤلاء هل ترون المباني الجديدة للمدارس مبهرة وبينها وبين أشكال التصاميم السابقة للمدارس بونا شاسعًا! بل إن بعض المدارس القديمة تفوق في جمالها ومظهرها ما استحدث مؤخرا من تصاميم باهتة بسيطة الشكل بسبب «ترشيد الإنفاق» لما تتطلبه بعض الأشكال القديمة من مصروفات إضافية للخرسانة والأشكال، ونحن مع الترشيد لو طبقت التصاميم الجديدة «الاقتصادية» على المدارس الناشئة وهي أكثر بكثير من المدارس القديمة، بينما تترك مساحة للمدارس القديمة لتبنى بنفس تصاميمها فعددها قليل مقارنة بغيرها.
ومن مسؤوليات المؤسسة نحو المبنى المدرسي توثيق مراحله المظهرية بالصوت والصورة فإنه إن لم يكن اليوم ينظر إليه كمبنى تاريخي فقد كان هذا هو نفس الموقف يوما ما، مرت به المباني المدرسية المصنفة اليوم كمبان تاريخية... لا أظن أن تصوير المبنى قبل هدمه وتوثيق مظاهره الداخلية والخارجية بمقاطع فيديو (وهو أقل ما يفعل) أمرًا مكلفًا ولكنه مهم ومؤثر. بل إنك تدهش اليوم لو ذهبت تبحث عن معلومات مبنى مدرسي ومسميات المدارس التي وجدت به لتفاجأ أنك لن تعثرعلى هذه المعلومات بسهولة قبل أن تبحث في سجلات ومحفوظات مغبرة أو تلجأ لخبراء من المديرين والمشرفين السابقين بينما هذه المعلومات الأولية ينبغي أن تكون حاضرة ومحفوظة بطريقة منظمة في وعاء معلوماتي يسجل تواريخ المدارس وأهم معالمها وبياناتها ليسهل الرجوع إليها بسهولة ويسر، وهو أمر غير مكلف أبدا فلا يحتاج أكثر من الوعي والتنظيم وشيء من الاهتمام. وللحديث بقية.