د. خيرية السقاف
لو كان للمهارة لسان الإنسان, وأبجديات لغاته, لتحقق لها أن تتحدث مع إنسان العالم المنهوك, المنتمي للدول النامية, كما يتحدث لشريكه فيها, ولأبانت له حقيقة أنها السلاح الأمضى لهذه القوى البشرية المتلاعبة بمصائر الأمم, المهيمنة على ترساناتها المختلفة..
ولكشفت له عن سرها في ألوان وجه هذه القوى, ومواقفها, ومعاهداتها, وصفقاتها..
ولأماطت له عن حقائق اتفاقاتها, وما وراء مجالسها, وما تحت طاولات ملفاتها بدءاً من حقوقه الإنسانية, ووصولاً إلى تفاصيل حقيقة ديمقراطيتها المزاجية, وصداقاتها المتلوّنة معه..
ولحللت له جُملها البلاغية بكنايتها في مواقف هذه القوى, وتصريحاتها, ومبادراتها معه, ومن أجله..
بل لأخبرته هذه المهارة بأنها هي مِغزل نسيج هذه القوى متى تفرد هيمنتها عليه, ومتى تسحب ظلها عنه, متى تواري آثارها فيه, ومتى تقف في الشمس جلية من أجله, ومتى تفعل في الظلام مختبئة عنه ضده..
ولتجلَّت مفردات هذه المهارة بلسانه تحدثه عن هذه القوى متى يكون الصديق منه صديقا لها, ومتى تكون عدواً له, متى تقرِّبه من مصالحها, ومتى تقصيه عن عضدها, متى تقف جنبه درءاً, ومتى تتخلّى عنه انسلاخاً, متى تعطيه لمصالحها, ومتى تأخذ منه لمكاسبها..
ولأكدت له كيف هي ذات ضمير لا يصفو له, ونفس رطبة بالغش لا تطْهُر أبداً نحوه..
فحين يكون لمهارة هذه القوى العظمى فوق أرض الإنسان لغته المعبّرة, ومدلولاته الكاشفة
فإن إنسان هذه الشعوب سيدرك صفات, وسمات مهارة القوى العظمى التي تسخر لها وسائلها في الخداع, والتلوّن, والهيمنة, وتسيير مقود قطار المواقف التي يشهدها التاريخ, أمسه البعيد والقريب, ويومه الراهن والآتي مع إنسان الشعوب النامية, التي لا تزال لم تسجّل لمهارتها بصمات..
فالمهارة ذاتها ما تُنشد لإنسان هذه الشعوب النامية..
حين يدرك دورها في حلبة الحياة, وأدوارها أسرارها في هيمنة وتمكن أولئك..