مها محمد الشريف
الزمن الاجتماعي ذو الأمد المتوسط يتغير حسب علاقة البشر المرتبطة بالبعد الاقتصادي والاجتماعي كما هو معروف، وفي حالة يمكن إيجازها جمعت بين زمن اجتماعي وزمن الأفراد والأحداث لـ»جون بروس» حيث رحل ذات صباح إلى جهة غير معلومة لأسرته، في بداية بحثه، ثم تنقل بين جامايكا وجزر كيمان يشاهد الجمال وقصص الغرام على شواطئ الكاريبي، ويبحث بفكره عن ذلك اللغز الذي يحوم حول الصدع الكبير في قاع البحر، والذي يضم أكبر سلسلة براكين في العالم في عمق تجاوز خمسة آلاف متر تحت مستوى سطح البحر، وحاول اللحاق بالسفينة البريطانية التي تحمل مجموعة من علماء الجيولوجيا وعلوم البحار، ولكنه لم يستطع.
وباءت مساعيه وأحلامه بالفشل، ثم بنى له على الساحل كوخاً متواضعاً، يكتب آماله على صفحات البحر لكشف تلك الألغاز الغامضة في العالم التي انبثقت منها عدة حروب أهم أسبابها التقلبات السياسية والتجارية والاعتلال الاقتصادي، ولكنه لم يحقق رغباته الكبيرة، ولم يتحرر من الأهواء، فالناس المنغمسون في العالم الحسي بالطبيعة لا يدركون جيداً كيف تنتهي طموحاتهم دون دراسة ترتبط بدعم يحقق الأهداف وليس الأهواء.
سواء تعلق الأمر بالأحداث أو بالعقليات، فاليوم لا مكان للأهواء في أداء مهام عميقة في حقيقتها على كافة مستويات السياسة والاقتصاد، حتى وإن كانت النتائج والأوضاع الضاغطة لها انعكاسات سلبية، ففي معظم الأحيان تسيطر المخاوف على الدول واقتصاداتها من الحروب والأزمات السياسية وينعكس ذلك على الحركة التجارية سواء كان هذا ناتجا عن التمرد أو قيادة العالم إلى ضرورة السيطرة.
من هنا نصل عبر زمن بروس إلى زمن ترامب وحجم المخاوف من خطاب التهديد والوعيد لكل من الصين والاتحاد الأوروبي بغرامات كبيرة تقدر بالمليارات، ومن ثم انسحابه من منظمة التجارة العالمية، وهذه المخاوف طالت الحزب الجمهوري من حرب ترمب التجارية.
ربما يكون ترامب بذلك قد ارتكب خطأً وغاب عنه فك لغز قضية غاية في الإثارة، وهو يربط الحرب التجارية في السياسة الآحادية من خلال معركته التجارية، وظهر ذلك جليا في مجلس الشيوخ بالكونغرس، حيث شعر المسؤولون الجمهوريون بقلق على مدار الأيام القليلة الماضية، وكان هذا بشأن تداعيات الرسوم الجمركية على ولايات تينيسي وفلوريدا وميسوري ونورث داكوتا، وهي الولايات التي يمكنها لناخبيها تحديد مصير الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي.
هل نشر المخاوف بين دول العالم ومؤسسات البلاد سياسة ناجحة؟ أم أن للعقل البشري قدرات لا نستطيع اختراقها ونتحمل نتيجة استنتاج خاطئ، فلولا السياسة المتزنة والدبلوماسية لبقيت الحياة كما هي تكتظ بالصراعات والحروب ولن تستطيع الأجيال تغييرها، فكل الأسئلة التي تدور حولنا تستحق البحث عن إجابات وشكوك خفية في الأعماق لا يستطيع الفرد إنكارها أو التخلي عنها كونها دواعي من شأنها تجعلنا حذرين.
في هذا التشبيه، تبقى العقول منارات الشعوب ويجب أن توظف إمكاناتها لما يخدم البشرية، وإلا فستبقى معطلة وتتبع التسييس والأدلجة القائمة بالمجتمعات أو أهواءها التي تبعدها عن الإبداع والصواب وتنتهي إلى انكماش اقتصادي وحالة من الاختلال تصيب المكونات الاقتصادية وتعكس الفعل المزاجي الانتقامي للرأي العام.
وهذا الوضع يبرر المقارنة التي عقدناها بين الحماية الدولية لإعادة الاستقرار ومنطق الأحداث المرتبط بسياسة ترامب، ومن جهة أخرى مغامرة «بروس» الذي عكف على فك شفرة الألغاز طيلة حياته في فضاءات أرحب تظهر فيها قدراته واستجابته السريعة للبحث عن أسباب ذلك التصدع، ولست أعطف عليها إلا حالة التوتر الواقعة اليوم ونرجو تهدئتها لبناء اقتصاد عالمي ونظام تجاري متعدد الأطراف، وقد نرجئ بعض التصورات والقراءات إلى حين تفسير حركة الاقتصاد والتجارة الدوليين، ضمن دواعي منهج الرئيس الأميركي بشأن استقرار التجارة الدولية.