نعم إنّها مراسم تشييع ودفن محافظ الرس محمد بن عبدالله العسّاف، التي جسّدها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، بعد أن أدّى في جامع الشّايع صلاة الجنازة على روح الفقيد، وجمعٌ غفير من داخل محافظة الرس، وخارجها، حيث وافاه الأجل يوم الأحد الموافق: الثاني من الشهر الحادي عشر سنة: تسع وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة، حمل جنازة العسّاف المشيّعون على الأكتاف، يتقدّمهم سمو أمير منطقة القصيم إلى مقابر الرس، وأنزلوا نعشه من الأكتاف في ساحة المقبرة؛ لأداء المتأخرين صلاة الجنازة، ومن المشيّعين الذين امتلأت بهم السّاحة لم تتوقف محاجر عيونهم من الدموع، ومنهم من رفعوا أكفّ الدعاء إلى الله أن يرحمه، ويسكنه فسيح جناته، ومنهم من يُعزي بعضهم البعض، ويذكرون محاسنه.. إنّه طيب القلب الذي لا يحمل فيه حسدا، أو حقدا، أو كرها لأحد، خُلقه الرحمة للأيتام، والعطف على الضعفاء، والحب للمساكين، وإنّه صَبر على تأزّم المرض الذي أصابه، وألزمه السرير الأبيض؛ لأنه يعلم أن الصبر من أفضل القربات إلى الله، ولم يسأم، أو يجزع، أو يضجر.. أنعم الله عليه بصبر، وطمأنينة، وثبات.
صبر على القدر الذي قدّره له الله ابتغاء مرضاته، ونيل أجره، ورجاء ثوابه!، ومنهم من تحدّث عن قوله: إنّ أهالي الرس هم الوقود الحقيقي لعملي، وبيني وبينهم تنسيق، وتفاهم في جميع المجالات التي تخدم المحافظة، ولهم دورٌ كبير، ومحفّز لمضاعفة العمل الذي أقدّمه، وترك أثر وبصمة حقيقيَّة، والعمل بيني وبينهم تكاملي، وأتمنى أن يوفقني الله- عزَّ وجل- لخدمة المحافظة، وخدمة أهلها، ويُسعدني تلقي الملاحظات، ومكتبي مفتوح للجميع!، ومنهم من تحدّث عن آخر تغريدة له قائلاً: مُتابعيني الغاليين أحببتُ أن أعتذر من الجميع عن رغبتي بالابتعاد عن عالم- تويتر-، وتُعتبر هذه آخر تغريدة لظروف خاصة، سامحوني ولا تنسوني من دعائكم!. إلى أن أنزلوا جثمانه داخل القبر، وفكّوا أربطة كفنه، ووضع اللبن، وتشبيعه بالطين، والمشيعون ينظرون إلى سمو أمير منطقة القصيم يجسّد موقف من الصّعب وصفه عبر هذه الأسطر وهو- حفظه الله- يتناول طينة بيده الكريمة تليها طينة ليناولها الذي في القبر؛ لردم فتحات اللبن، وهذا تجسيد من سموّه الكريم على أن الجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى!. لقد فقدنا جسد العسّاف وبقي ذكره الطيّب الذي تتحدّث عنه سيرته المشرّفة، وخدماته الباقية لمحافظة الرس، ولأبنائها الذين يُقدرون هذا المواطن الصالح المحب لوطنه، حيث وجدت في مكتبه في محافظة الرس طِيب الاستقبال، وكرم الضيافة، وغزير المعلومة عن تاريخ، وأهالي الرس، ووطنيتهم، وحبّهم لولاة أمرهم، فلم أخرج من مكتبه إلاَّ وأنا أحمل جلّ المعلومات؛ لكي تكون مصدرا شفويا لكتابي:
«القصيم نهضة وحضارة»، حيث حدّثني- رحمه الله- عن وقوف الأهالي مع موحد المملكة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل- طيّب الله ثراه-.
وعن ولائهم لولي أمرهم الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان- حفظهم الله-.
إنَّ العسّاف المُحب لوطنه لقي عظم التقدير، والوفاء من سمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز توجيهه لتسمية أحد شوارع الرس باسم سعادة الأستاذ محمد بن عبدالله العسّاف تقديراً لإنجازاته الوطنيَّة التي تتحدّث عن نفسها داخل المحافظة، ومراكزها.
كما وجد الوفاء من الأهالي، حيث كسيت الشاشات التلفزيونيَّة في طرقات، وشوارع، وميادين المحافظة صُور، وعبارات دعاء، وتعزية لمحافظهم المحبوب.
وهذا اليسير عن سيرة العسّاف، حيث أنّه درس الابتدائيَّة، والمتوسطة، والثانويَّة بمحافظة الرس، والتحق بجامعة الملك سعود في كلية التربية والآداب، وعُرف عنه أنّه في شبابه عصامي منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانويَّة وهو يعمل في إحدى الشركات الوطنيَّة التي أكسبته خبرة، وعلاقات، وتغلب على الصعوبات بحكمة لا تجدها إلاَّ عند الكبار!، إلى أن سلك العمل الوظيفي في رئاسة الحرس الوطني، ومن ثم انتدب ليعمل في إمارة منطقة القصيم، ومن ثم مكتب محافظ الرس، ورئيساً لشؤون الموظفين، ومن ثم رئيساً لشؤون المراكز، ومديراً لإدارة الحقوق. إلى أن عُيّن وكيلاً لمحافظة الرس، وفي عام: خمس وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة صدر المرسوم الملكي الكريم ليكون محافظاً لمحافظة الرس.
هذا وتعازينا لأبناء الفقيد، وبناته، وزوجته، وإخوانه، وأخواته وإلى وكيل محافظة الرس، ولأهالي المحافظة لوفاة سعادة الأستاذ محمد بن عبدالله العسّاف.
{إنّا لله وإنّا إليه راجعون}.
** **
أحمد المنصور - نادي القصيم الأدبي