د. خيرية السقاف
كأن ذرات الرمل الناعمة التي يحملها الهواء, تغبرُّ بها فضاءات المدينة حيث اتجاهاتها
هاربة من وحشة الوحدة في الصحراء الممتدة حول مشارف المدينة الفارهة بما فيها..
كأنها هذه الذرات وهي تتسلل للبيوت, وتتسلق الأسوار, وتقتحم المنافذ الصغيرة, تأبى الانعزال..
ترنو للحياة في صوت العصافير الهاربة منها لأعشاشها, والفقراء لأكواخهم, والأثرياء لقصورهم, والكادحين لبيوتهم..
كأنها تحدثهم بغربة وحدتها بين آكام الروابي, والأودية, والمرتفعات..
كأنها تنشدهم أن يغفروا لها نزولها في صدورهم, وأنوفهم, وعيونهم, ومواطئ أقدامهم, وسطوح منازلهم,
وأن يصفحوا عن عبثها بأشجارهم, وبقاياهم, وثيابهم, والهش من صفيحهم, وأوراقهم, وستُرهم..
كأن هذا الرمل القادم بجنون في موكب الريح, راغب في أمان, متطلع لنزول,
بينما الإنسان هارب منه, يغلق نوافذه, وأبوابه, يسد منافذه, وثقوبه, يغطي أنفه..
حتى ذرات الرمل تبحث عن الصوت, والحركة, والضوء, فتركب الريح أجنحة لمرماها..
كأنها ترغب في المثول في قلب الحضور بعيدًا عن النأي هناك..
هناك في وحشة الموات..
في آماد خالية, وبين أكمات صامتة, وداخل ثقوب موحشة, لى امتداد يباب قاحل..
حيث لا دبيب لقدم, ولا جعجعة لصوت, ولا حركة لأقدام..
كأن الرمل, حتى الرمل..
يأبى الوحدة, وغربة الوحشة!!..