عروبة المنيف
إن التطور الملموس مؤخراً في قضايا تمكين المرأة جعلنا نحن النساء نطير من الفرح، فالأرض لم تعد تسعنا. لقد بدأ الجليد الذي تجمد في عقود بالذوبان بعد أن أمسكت المرأة مقود السيارة، وبافتتاح أكاديمية أكسفورد للطيران للبنات بالدمام بدأ التحليق الفعلي لنعلو بإنجازاتنا ومكتسباتنا المتحققة على أرض الواقع ما سيلقي عنا حمولة عظيمه كانت تقيدنا وتحول دون الاحتفال بحيويتنا وتألقنا وحماسنا لخدمة وطننا بعزيمة وهمة.
في معترك تلك الأجواء المغبطة، تفاجئنا الأخبار بقصص مأساوية لنساء يعشن معاناة من نوع ما، فقد سلبت حقوقهن من أقرب الناس إليهن، تلك القصص أيقظتنا من نشوة الفرح بالإنجازات العظيمة السابقة، وكأنها تقول لنا إن الطريق ما زال يحوي شوكاً لا بد من اقتلاعه، والاقتراب من الشوك سيدمي الأيدي ولكن الانتصارات تتحقق بالتضحيات.
أكثر تلك القصص إثارة، تلك المرأة التي طلقها زوجها قبل شهر رمضان ولم يبلغها بخبر طلاقها مستغلها أبشع استغلال لخدمته في شهر الصيام وحتى تطبخ له فطوره وسحوره. وأخرى لم تعلم بطلاقها إلا بعد وفاة زوجها الذي خدمته طوال فترة مرضه، وعندما طالبت بحصتها من الإرث، أبلغها الورثة بأنها لم تكن على ذمته منذ خمسة عشر عاماً. وأخرى تأتيها عبارة «أنت طالق» على هاتفها المحمول «واتس أب» لتفاجأ بالرسالة، فلم يكن هناك أي خلاف بينها وبين زوجها!.
إن تلك القصص تطلق صافرات إنذار وتؤكد لنا بأن هناك خللاً ما، وبأننا لطالما عانينا من ارتفاع نسب الطلاق بشكل غير مسبوق، فالاستهتار بعقد الزواج وارد وعدم صيانة وحفظ العقد الذي بين الطرفين يحدث، وذلك عندما يعطى طرف واحد كامل الصلاحية في حق الطلاق من دون إشراك طرفي العقد على إجراءات الطلاق وتسوياته.
لطالما أرجعنا أسباب ارتفاع مؤشر الطلاق إلى عوامل ثقافيه واقتصادية واجتماعية وغيرها، وأضيف هنا الأسباب الحقوقية، كحق المرأة في معرفة نية الزوج بتطليقها، حقها في أن تتفق معه وجهاً لوجه على أمور الطلاق وإجراءاته والبحث عن تسويات بينهما وعلى الأخص عندما يكون بينهما أطفال، حقها في أن تسمع وجهة نظرها في الطلاق الواقع عليها، ألم تسمع وجهة نظرها في عقد الزواج وأخذت موافقتها ولم تستلم رسالة إلكترونية توقع الزواج؟ لماذا لا تسمع وجهة نظرها في قراره بتطليقها؟ ألم يمر عقد الزواج بإجراءات وترتيبات وبموافقة الطرفين؟، إجراءات الطلاق ينبغي أن تكون أيضاً باتفاق الطرفين، «فربط العقد وحله» يخص طرفي العلاقة وليس أحدهما دون الآخر، فلا بد من إيجاد آلية لإيقاف استخفاف بعض الرجال بهذا الحق الذي في الغالب يكون في يد صاحب العصمة، وذلك لمنع امتهان كرامة المرأة واستغلالها وتجاهل مشاعرها وخداعها من أجل نوايا ذكورية خبيثة.
إن قضايا الأحوال الشخصية والأسرية تشكل ما نسبته 60% من القضايا المرفوعة بالمحاكم، ألا يتطلب الأمر إنشاء محكمة متخصصة في الأحوال الشخصية وإيجاد نظام حقوقي شامل يضمن للمطلقة حقها في مناقشة مصير ارتباطها وتسويات عقد زواجها وحقها في معرفة أسباب طلاقها؟ كل ذلك من خلال إجراءات قانونية يشرف عليها متخصصون قضائيون ما يكفل ضمان حق طرفي العقد.