د.مساعد بن عبدالله النوح
الحج هو أمنية كل مسلم، ولاسيما من يعيش بعيداً، ويحتاج سفراً ونفقات للوصول إلى مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تاركاً خلفه أسرته وكل ما يملك؛ ليؤدي هذا الركن العظيم استجابة لقوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميق سورة الحج 27.
وعليه، فيأمل المسلم البركة الإلهية التي تحيط بالمشاعر، فمساحة الحرم المكي وعرفة ومزدلفة ومنى تستوعب أعداد الحجاج التي تعيش فيها لساعات محدودة، ويشعرون فيها بنعمة الوحدة الحقيقية في مظهرهم وفي شعائر الحج الأخرى، حيث التلبية واحدة، والوقوف بعرفة، ومزدلفة ومنى ورمي الجمرات، والطواف والسعي، والأذكار الواردة في كل منسك من مناسك الحج.
وترى المملكة العربية السعودية وجود الحرمين الشريفين تشريفاً لها وتكريماً، وعليه فقلوب وأنظار ومشاعر العالم الإسلامي تتجه إليها أملاً في مهمة تيسير مناسك حجهم، الأمر الذي يجعل الحكومة السعودية تجزم بأنها معنية بالعمل على تحقيق هذه المهمة. ويترجم هذا الجزم المستجدات المستمرة في كافة تجهيزات الحج، وتدرك السعودية شعور الحجاج، وأهمية هذه الأمنية لهم، فترحب بهم كل عام بطريقة تليق بقدسية هذه الشعيرة، وجلال الحجاج، فهم ضيوف الرحمن.
في لغة الأرقام ودلالات الرسوم البيانية تبلغ جهود الدولة أعلى مستويات هذه اللغة وأرفع فئات هذه الرسوم، حيث تُخصص الأموال الفلكية؛ لتوسعة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة، وتوفير التجهيزات والإمكانات البشرية المدربة؛ للاحتفاء بهم وتيسير آدائهم الحج بكل متعة وإتقان.
وتمثّل مشروعات توسعة الحرمين الشريفين أبهى صور الاحتفاء السعودي بالمسلمين الراغبين في الحج والعمرة, حيث أولت القيادة السعودية عمارة الحرمين الشريفين جل اهتمامها وعنايتها، ووضعت مشروع عمارة الحرمين الشريفين، وتوسعتهما، والاهتمام بهما، فى مقدمة الاهتمامات؛ انطلاقا من إيمانها العميق أن تلك أمانة شرف الله تعالى بها السعودية. إذ دشّن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله في شهر رمضان لعام 1438/ 2017 خمسة مشروعات ضمن التوسعة السعودية للمسجد الحرام بمكة المكرمة، والتى تُعتبر أكبر توسعة له، فقد كلفت (100) مليار دولار على الأقل؛ ليرتفع عدد المصلين من (600) ألف مصلّ إلى (1.600.000) مصلي، وتأتى هذه التوسعة امتدادًا للتوسعات التاريخية السابقة التى بدأت بأمر المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد ضيوف الرحمن عام 1438-2017 وصل عددهم (2.352.122) حاجاً، منهم (600,108 ) حجاج من الداخل و(1.752014) حاجا من الخارج، وقد قامت وزارات الحكومة السعودية بجهود محل تقدير كل قارئ لها في العام نفسه، حيث حددت كل وزارة خطة للخدمات التي ينتظر منها لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة.
حيث جهزت وزارة الحج والعمرة ( 18) ألف حافلة مكتملة التجهيزات؛ لنقل قرابة مليون ونصف المليون من حجاج الخارج، منها ( 1696) حافلة جديدة تم توفيرها، حيث يتم سنوياً استبعاد عدد من الحافلات الملغاة نظاماً من الأسطول بسبب تقادمها؛ حفاظاً على سلامة الحجاج خلال تنقلهم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة أثناء أداء المناسك واستبدالها بحافلات جديدة.
كما تم توفير مبنى الجمرات المتعدد الأدوار لتكون حركة الحجاج انسيابية ومريحة، بإشراف تام من قيادات وزارة الداخلية والذي يستوعب ( 300) ألف حاج في الساعة.
وجندت وزارة الشؤون البلدية والقروية أكثر من (23000) فرد في أعمال الحج للعام ذاته من خلال مشاريع الوزارة والأمانات والبلديات بكل من: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، حيث تنفذ خطة تتضمن منظومة من الإجراءات للتخلص السريع والآمن من النفايات في جميع أعمال الحج.
وقامت وزارة الصحة بتجهيز (15) مركزاً؛ للمراقبة الصحية بمنافذ الدخول البرية والجوية والبحرية، وزيادة غرف العزل في العاصمة المقدسة والمشاعر المقدسة؛ ليصل إجمالي غرف العزل إلى (232) غرفة عزل.
كما تقوم الوزارة باستخدام وسائل التوعية المختلفة (شاشات عرض - لوحات إعلانية متحركة في مداخل المرافق الصحية - تلفزيونات - أشرطة تسجيل بعدة لغات - المطبوعات - النشرات - الملصقات). كما هيأت الوزارة (25) مستشفى: (4) بمشعر عرفات، و(4) بمشعر منى، و(7) في العاصمة المقدسة، و(9) مستشفيات بالمدينة المنورة، إضافة لمدينة الملك عبدالله الطبية بمكة، ويدعم ذلك( 155) مركزاً صحيّاً دائماً وموسميّاً في مناطق الحج والاستعانة بأكثر من (800 )طبيب وممرض، كما تقوم الوزارة بتجهيز (6) مواقع للطائرات الطبية.
ومن أجمل معاني الإنسانية في موسم الحج تللك الصور الرائعة المؤثرة التي يسطرها رجال الأمن من عطفهم على الحجاج بكل عفوية، وصدق، وتتناقلهم وسائل الإعلام العربية والإسلامية والدولية، فهذا يأخذ بيد رجل مسن، أو يحمله على ظهره، والثاني يمسك بيد طفل ابتعد عن والديه، وثالث يرش الماء البارد على المارة؛ ليخفف عليهم حرارة الجو، ورابع يسقى حاجاً الماء ليروي له عطشه، ورابع يتحدث بلغة الحاج؛ ليقدم له التوجيهات الصحيحة، فضلاً عن توجيههم للحجاج إلى أماكن توافر الجمرات من خلال «الجمرات الجاهزة»، المٌعدة سلفًا، للتيسير على الحجاج. يقدمون هذه اللفتات الإنسانية بصدق ونفس راضية.
إنها جهود تتكلم عن نفسها مهما حاول المغرضون تجاهلها عبر وسائل إعلامهم، تبدأ مبكراً كل عام تحت إشراف القيادة السعودية، تقوم بها السعودية بلا منًة ولا انتظار جزاء إلا من الله تعالى، بدءاً من الترحيب بهم من خلال المنافذ البرية والبحرية والجوية، وانتهاء بمغادرتهم بطريقة تؤثر في الحجاج أنفسهم.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود الجبّارة، إلا أن السعودية تجد محاولات مغرضة ورامية لتحويل موسم الحج لأغراض مضادة، وهذا يتعارض مع قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) سورة البقرة. والعجيب هو قدرة السعودية على احتواء هذه المحاولات ليس ضعفاً وإنما للتعامل معها بطرق تحفظ حقها؛ فهي تعلم بحقيقة من وراءها وأهدافه ووسائله.
وبإرادة صلبة وعزيمة راسخة ستبقى السعودية ترحب بضيوف الرحمن كل عام على اختلاف جنسياتهم، ومستوياتهم، ولغاتهم، وانتماءاتهم، سترحب بهم بتجهيزات هندسية مبدعة، وخطط تشغيلية للقطاع العام المعني والقطاع الخاص، وترتقي بإيجابياته أملاً بما عند الله.