سمر المقرن
أنا لا أبرئ نفسي، أو أدعيّ المثالية في استخدام الهاتف وسط الناس، لكنني في الوقت ذاته أعتبر نفسي الأقل في استخدام الهاتف عندما أكون في محيط الأسرة والأهل والصديقات والمناسبات، ولا يشغلني إلا ما ندر عندما يكون هناك عمل ضروري من المهم أن أقوم بإجرائه في هذا الوقت، أما في الأوقات العادية فالأحب لي واحترامًا لغيري أن أترك الهاتف إما في حقيبتي إن كنت في زيارة أو إلى جانبي إن كان هناك ضيوف بمنزلي أو كنت بالخارج وأنتظر مكالمة أو رسالة مهمة.
أقول هذا وقد بدأت بنفسي، بعد أن رأيت انتشار استخدام الهاتف النقال في الأوساط الاجتماعية بكثرة، ما يوحي بعدم احترام الشخص لمن يجلس بينهم، ونصيحتي -رغم أني لا أستسيغ استعمال لفظ النصيحة- لمثل هؤلاء أن يبقوا محترمين أنفسهم والآخرين بالبقاء في بيوتهم، كما أرى من الأفضل أن لا يستقبلوا أي ضيوف ببيوتهم، فالضيافة لا تكون بالطعام والشراب والكلمة الضائعة وسط زحام الهاتف الجوال، إنما الضيافة والزيارة وأداء الواجبات الاجتماعية، هي أفعال يجب أن تخرج من القلب هي تواصل روحي وعقلي دون أن يشعر الإنسان بثقل هذه الواجبات، فاستخدامه للجوال أثناءها هو تعبير غير مباشر عن شعوره بثقل هذا الأداء أو هؤلاء الناس من حوله. وأجزم لو رأى أي شخص شكله ومنظره وهو وسط الناس ممسكاً بجهاز الهاتف في حالة جنونية لأستوعب بشاعة شكله ومظهرة، وتوقف مباشرة عن هذه الممارسة!
عموماً، استخدام الهاتف الجوال بهذا الجنون هو حرمان الشخص ذاته من الشعور بمن حوله، ومن الشعور بالآخرين، ومن استخدام أدوات التواصل الصحيحة معهم، كما أنه يحرم نفسه من الاستمتاع بوقته وإجازته وحياته، لأنه يعيش في فلك إلكتروني مُنهك للدماغ والأعصاب والحياة كلّها. وكما قلت بالبداية لن أدّعي المثالية، وكلنا في هذا الزمن نعيش حالة إدمان مع الهواتف النقالة، لكن يبقى إدمانها مثل أي إدمان إما أن تهزمه أو يهزمك، فجميل أن يعي كل منّا فداحة هذه التصرفات في حضرة الآخرين، وبقاءه جسداً بلا إحساس بينهم، ما يجعل الإنسان يشعر بأن غياب مثل هؤلاء أفضل من حضورهم.. دائماً الوسطية في كل شيء تجلب الراحة، فالإنسان لا يحرم نفسه ولا يبالغ بشكل يثير سخطه على نفسه وسخط الآخرين عليه، والأدهى والأمر أن هذه العادات السيئة انتقلت إلى الأطفال وأصبح منظراً مكرراً و»موجعاً» رؤية الطفل طوال الوقت منكباً على الهاتف تقليداً لغيره في البداية ثم تحول إلى حالة إدمان، حتى أصبح الأطفال في عوالم أخرى بعيداً عن الواقع كالكبار تماماً!