عبدالوهاب الفايز
منذ انطلاق جائزة الملك فيصل في نهاية السبعينيات الميلادية بقيت صارمة في معاييرها، وتعمل على أسس علمية ومهنية محايدة، أكسبتها سمعة عالمية؛ إذ (يتم اختيار الفائزين بالاستناد فقط إلى مدى أهليتهم وجدارتهم المطلقة). لقد حصلت عليها 258 شخصية من 43 جنسية؛ وهذا الذي أعطاها البعد الإنساني والعالمي.
الآن الجائزة تنطلق إلى أفق جديد، يعزز سمعتها، ويخدم (الصورة الذهنية) الإيجابية التي تحتاج إليها سمعة بلادنا. وفي زيارة للأخ العزيز الدكتور عبدالعزيز السبيل الأمين العام للجائزة في مقرها في الرياض حدثني عن مشاريع مفرحة، تعمل عليها الأمانة العامة بتوجيه من هيئة الجائزة، وبخاصة المشروع الذي يستهدف استثمار السمعة والمكانة الإيجابية العالمية للفائزين بالجائزة؛ لكي يقدموا المحاضرات وورش العمل، ليس في السعودية فقط، بل في أماكن عديدة من العالم.
أيضًا لدى الجائزة مشاريع أخرى من عقد شراكات عربية لترجمة بعض كتب الفائزين، وإقامة المؤتمرات ذات الصلة باهتمام الجائزة وموضوعاتها. يضاف إلى كل ذلك عشرات الأساتذة الذين يأتون سنويًّا من مختلف دول العالم من أجل تحكيم فروع الجائزة الخمس. هذا المشروع بمجمله يجعل الجائزة إحدى الآليات الرئيسية لـ(الدبلوماسية الناعمة) التي نتواصل عبرها مع شعوب العالم.
المورث والسمعة العالمية التي اكتسبتها الجائزة خلال الأربعين عامًا الماضية تقدم لنا فرصة لتبني مشروع وطني للدبلوماسية العامة تحت مظلة الجائزة والفائزين بها؛ فكل (نقاط القوة) متوافرة، وكل الذي يحتاج إليه (المشروع المقترح/ الحلم) هو: وضع خطة عمل لخمس سنوات مع ميزانية تشغيلية. هذا المشروع سوف ينطلق بسرعة بحكم استقرار العمل المؤسسي المحترف الذي يتوافر في مؤسسة الملك فيصل الخيرية، والذي اكتسبته من العمل الدؤوب في العقود الأربعة الماضية.
أحد الشواهد الواقعية على تميز عمل المؤسسة نجده في استمرار الجائزة، والتزامها الصارم بمواعيد الإعلان، وإقامة حفل التكريم وتسليم الجائزة الذي أصبح حدثًا وطنيًّا، يتميز بالتزام قيادات المملكة بحضور هذا الحدث العالمي، ويتميز بحضور النخب الفكرية والثقافية، ويتميز بكل التفاصيل التي تجعله حدثًا خاصًّا، لا عابرًا في الزمان والذاكرة.
العمل المؤسسي المحترف هو الذي جعل المنهج الصارم الذي تتبعه الجائزة عنصر قوة، حماها من الملاحظات التي أثيرت حول منح الجائزة لبعض الشخصيات الخلافية؛ فالجائزة تُمنح للإنتاج الفكري والعلمي الذي يترك أثره الإيجابي على الحياة. والطبيعة البشرية لدى بعض البشر قد لا تستقيم على حال؛ فالعالِم أو المفكر الذي قدّم عملاً يثري الحياة الإنسانية يبقى إنتاجه الفكري أو العلمي ملكًا للبشرية، وهذا هو المعيار الأساسي الذي يقوم عليه منح الجوائز بعيدًا عن الاعتبارات غير الموضوعية أو الطارئة.
والذي يجعلنا نطمئن إلى منهج جائزة الملك فيصل الصارم لمنح الجائزة هو ما نجده في تميز الأسماء التي حصلت عليها؛ فهناك 18 فائزًا حصلوا على جائزة نوبل بعد حصولهم على جائزة الملك فيصل، وكل الأسماء لديها السجل الحافل المتميز في الإنتاج الفكري والعلمي، وفي العمل والإسهامات الإنسانية والاجتماعية وخدمة الإسلام.
وفي الأربعين عامًا الماضية، وهو عمر الجائزة، كنا نسعد ونفرح عندما تعلن الأسماء الفائزة، وبخاصة عندما يكون بينها من الأعلام والرواد ممن كنا نتمنى تكريمهم والاحتفاء بهم وهم أحياء، ليس في السعودية فحسب، بل في العالمين العربي والإسلامي.
الاتجاه إلى التوسع في الأنشطة بعد منح الجائزة مسارًا يخدم أهدافها، ويجعلها مشروعًا مستمرًّا طوال العام. ولا شك أن هذا التوجه سوف يضيف أعباء على الأمانة العامة وفريقها المحدود. وهنا، وعندما ندرك آثار هذا التوجه الإيجابي الوطني على سمعة بلادنا، نجد المبرر الداعم لكي نتمنى استثمار الجائزة لدعم توجهنا الجاد المطروح لتفعيل الدبلوماسية الشعبية.