حاوره - محمد المرزوقي:
أكد رئيس الهيئة العامة للثقافة المهندس أحمد بن فهد المزيد، في حواره لـ(الجزيرة)، أن مكمن تكريم المثقفين والمثقفات يكمن في تكاملية دعم منتجاتهم الثقافية، وجعلها محل احتفاء ما تقيمه هيئة الثقافة من فعاليات داخل المملكة وخارجها، عبر سارات تكريمية (مستدامة)، نافيا أن يكون احتفاء الهيئة بقطاع ثقافي دون آخر فيما يتصل ببرامجها، منبها إلى تصحيح رؤية بعض من يرى بأن الهيئة من خلال برامجها تسعى إلى إقامة برامج «ربحية»، مؤكدا على ما تقوم الهيئة به ضمن خطتها الاستراتجية من دعم للشباب، وتمكين للمثقفة السعودية، إذ إن ما نسبه 50 % من منتسبي الهيئة من السيدات، حيث يتسنم العديد منهن مناصب قيادية في هيئة الثقافة.
* ألا ترون أن تكريم المثقفين والإعلاميين والمبدعين الحالي لا يرتقي إلى عطاءاتهم مقابل الاكتفاء بتكريمهم الرمزي الذي لا يتجاوز خطابًا ودرعًا تذكاريًا ونحوها، وقد رحل كثيرون دون أن ينالوا حتى هذا التكريم الرمزي! في حين يتميز المهرجان الوطني للتراث والثقافة « الجنادرية « و»جائزة الملك فيصل العالمية»، بتكريم مشهود للرموز العلمية والإعلامية؟
* إذا ما نظرنا إلى «جائزة الملك فيصل العالمية»، ومجالاتها، ومن خلال الجائزة في فرع (الآداب)، سنجد أن هذه الجائزة أخذت على عاتقها عالمية المجال، وكذا الحال في تكريم المثقفين والمثقفات في «المهرجان الوطني للتراث والثقافة»، إذ أخذت وجهة أخرى في التكريم وعدد المكرمين في كل دورة، وكذا الحال في «جوائز سوق عكاظ»، حيث اختطت كل جائزة منطلقا تجاه الجوانب التي تستهدفها، وفقا لمعيارية خاصة بكل جائزة من هذه الجوائز، ما يجعل من تكريم المثقفين والأدباء في المملكة هدفا من أهداف الهيئة، لذا فإنني أؤكد على التكريم (المستمر)، للأدباء والمثقفين من خلال العديد من آليات الاحتفاء بهم وبأعمالهم، ليظل تكريمهم متصلا متواصلا، وفي مقدمة ذلك الاحتفاء بما أنتجوه من ثقافة وأدب وفنون إبداعية مختلفة، عبر قنوات متعددة لتقديمها للمتلقي، ومن خلال تسهيلات لما يحتاج إليه المثقفون في مختلف مجالاتهم تيسر لهم الإجراءات والخدمات التي يحتاجونها لأداء رسالتهم الثقافية، وتمكّنهم من استمرارية إبداعاتهم، كالتراخيص على سبيل المثال، وما شابهها من إجراءات، وذلك احتراما للمثقف ولإبداعه، إذ يعد هذا نوعا من التكريم، إضافة إلى تكريم المثقفين من خلال إيجاد بنية وبيئة ثقافية تجعل المثقف يدرك ويلمس بأنه جزء من بناء ثقافي اجتماعي متكامل معه، ومتفاعل مع عطائه، وهذا ما يحتاجه المثقف ونسعى إلى تهيئته من خلال برامج الهيئة المختلفة، وصولا إلى التعريف بالمثقف، والاعتراف بدوره الثقافي، لدى مختلف الجهات الأخرى، فالتكريم «اللحظي»، سرعان ما يتلاشى مع الزمن.
* أشرتم سعادة المهندس إلى «صناديق دعم»، فأين تقف هيئة الثقافة اليوم من مقترح «صندوق» للمثقفين، ليكون أشمل في رسالته من مقترح «صندوق الأدباء» الذي ما يزال حلما ضمن أحلام المثقفين مؤجلة التفسير؟
* ارى أن أي دعم مادي يجب أن يكون دعما لعمل المثقف، وليس دعما لشخصه فقط، إذ ليس الهدف الرئيس من هذا الصندوق أو غيره من المقترحات (المالية)، أن تكون بمثابة (المرتّب)، وإنما يكون الدعم المادي بوصفه مردودا مساعدا له على زيادة الإبداع، وبوصفه مردودا لمنتج ثقافي، بمعنى المثقف يجدّ لكي يبدع، ليقدم نتاجا يستحق التكريم؛ وحديثي هنا فيما يتعلق بالدعم المادي لا أقصد به المثقف ذا ظرف اجتماعي معين، أو حالة صحية، فهذه مسائل أخرى، وإنما أقصد السواد الأعظم من المثقفين بمفهوم الثقافة الشامل.
* ينتشر في الأوساط الثقافية أن الهيئة ستقتصر مهامها على السينما والمسرح والموسيقى مع بقاء الأنشطة الأخرى (مجرد واجهة)، تضعها الهيئة ضمن برنامجها لتعلن عنها دون أن تحتفي بها، ومنها شؤون الكتاب والأنشطة المنبرية «الندوات والمحاضرات والأمسيات» التي تقدمها الأندية الأدبية وفروع جمعية الفنون، فبم تردون ؟
* لو نظرنا لنشاطات الهيئة، خلال الفترة الماضية سنجد أن أقل الأنشطة التي عملنا على تنفيذها، هي فعاليات الموسيقى، ونشاط السينما، بينما الأكبر عددا وتنوعا كانت الفعاليات التي أقامتها الهيئة من خلال الأندية الأدبية، وفروع جمعية الثقافة والفنون في العديد من مناطق المملكة، التي تضمنت فنون السرد وفنون الشعر، ودورات تدريبية في فنون إبداعية مختلفة، لكن بعض الفعاليات التي قدمتها الهيئة لكونها جديدة بطبيعتها، كالسينما، أخذت صخبا إعلاميا كبيرا، وحضورا جماهيريا، وكذا أ صداء إقامة الحفلات الفنية، فعدد الحفلات الغنائية لا يقارن بعدد (250) فعالية أدبية وثقافية، تم تنفيذها في (16) مدينة بالمملكة خلال شهر رمضان، ما جعل من بعضهم يتصور أن هذا هو كل العمل الذي تقوم به هيئة الثقافة، لكنني أقول: إنما هذا جزء من عمل الهيئة، إذ هناك الكثير مما تقوم به الهيئة من عمل على الأنظمة، والعمل على التدريب، والتراخيص، وصناديق الدعم، لذلك لدينا منظومة متكاملة من العمل الثقافي الذي قد لا تكون تفاصيل بنيته ظاهرة للعيان.
* تعمل هيئة الثقافة عبر مسارين رئيسين، أولهما استكمال البنية التحتية لمشاريعها الثقافية، والآخر الذي يتمثل فيما تقدمه الهيئة من برامج وفعاليات ثقافية داخل المملكة وخارجها، فكيف تصفون لنا اشتغالكم بهاذين البعدين؟
* لدى الهيئة حرص وجدّية في مواصلة العمل الثقافي عبر هذين المسارين، وهذا ما افترض وجود فريق متميز في هيئة الثقافة يقود العمل عبر هذين المجالين، وهذا ما يجعلني أقول لـ(الجزيرة)، بأن الفريق الذي أعمل معه في الهيئة، هم أفضل فريق عملت معهم في حياتي، إذ وجدت لديهم العمل بشغف، وبروح ملهمة، وباحترام للوقت، وتقدير للجهد، وخاصة أنني أتحدث عن فريق تم بناؤه خلال أقل من ستة أشهر، إلا أن حبهم للعمل الثقافي، وشغفهم المتزايد بجودة الإنتاج عبر البرامج المختلفة من فعاليات متنوعة، وتدريب، وإنتاج فلمي، وغيره من المنتجات الثقافية العديدة، إضافة إلى إقامة (الأيام الثقافية) داخل المملكة وخارجها، ومرد ذلك أننا بالعودة إلى رؤية المملكة 2030، فإنها في مجال ما أنيط بالهيئة منها تتطلب فريقا متميزا وإذا ما آمنا بالعمل على منجز ثقافي استثنائي في التخطيط والجودة والجهد والوقت، فهذا يعني أننا سنظل لسنة أو سنتين نخطط!، لذا كان ولا بد من التخطيط والتقييم والتقويم في آن واحد، حيث كشفت لنا الفعاليات عن ذائقة، تتذوق الأوبرا، والأوركسترا، وتلق ترجمه الحضور والتفاعل، لتتفاجأ أن 2000 مقعد لم تكن كافية لحضور فعالية، وأن يصل مثلا عدد حضور الأوبرا المصرية في أبها 4000 معظمهم من الشباب.
* ما هي خطط الهيئة لتبني المواهب الشابة في كافة مستويات الثقافة وبخاصة أن الشباب الموهوبين ينجحون بفضل عطائهم الذاتي والدعم الجانبي الذي يجدونه من وسائط الإعلام التقليدي والرقمي وليس من أجهزة الثقافة والإعلام الرسمية؟ وماذا عن (التمكين) الثقافي للمرأة؟
لنا أن نفخر بما هيأته الدولة في مجال تمكين المرأة في مختلف المجالات، ولي أن أفخر هنا أن يكون 50% من منسوبي هيئة الثقافة من النساء، إذ إن هذه النسبة ليست مقصورة على فئة موظفات في الهيئة بل في قياداتها، لتصبح المرأة جزءا من قيادة هذه المؤسسة وجزءا من فريق عملها، وهذا لا يعني أن الهدف هو مجرد إشغال وظيفة بامرأة، لكونها امرأة، بل لأننا نبحث عن الأفضل من الجنسين، وهذا لا يعني أن هذه النسبة، أو نسبة تمكينها في المجالات الثقافية أن المرأة كانت غير حاضرة بكفاءتها، ولكنها مسألة إتاحة فرصة واستقطاب، فلم تكن المرأة تجد الدعم الكافي في بعض القطاعات، ومنها بعض قطاعات الثقافة.
أما دعمنا لفئة الشباب، فهو أحد الأهداف الرئيسة التي تقوم الهيئة بالتوجه لها ببرامجها المختلفة، سواء ما تنفذه من فعاليات في مختلف مناطق المملكة وصولا إلى هذه الشريحة، أو من خلال ما تقيمه من فعاليات خارج المملكة، بهدف إكسابهم الخبرات الجديدة، ولتكون أحد روافد صقل مواهبهم عبر إشراكهم فيما نقدمه من فعاليات، إلى جانب آلية الاختيار، التي نراعي فيها تنمية المواهب الشابة بطريقة هادفة (تراتبية)، ذات مستويات تمكنهم من تطوير مواهبهم، إذ يتم الإعلان من خلال موقع الهيئة، وعبر حساباتها المختلفة، ليتسنى الوصول إلى مختلف المواهب من الشباب، لاستقطابهم، وتدريبهم، إضافة إلى ما تقدمه الهيئة من برامج الدعم المخصصة للموهوبين من فئة الشباب، كبرنامج «هبات»، المخصص لدعم إنتاجهم الفلمي، وهي هبة غير مسترجعة، وفقا لمعيارية تستهدف الجودة، وتطويرها، لصناعة حراك ثقافي متكامل، كما نعمل «منصة» لتدريبهم إلكترونيا، كمرحلة أولى للتعلم، ومنها إلى المرحلة الثانية، مرحلة (التدريب)، وفقا لآلية معلنة، ثم المرحلة الثالثة، المتمثلة في مرحلة (التعليم والابتعاث)، عبر معيارية خاصة بها.
* كيف تنظرون إلى العلاقة بين الهيئة والإعلام «الثقافي» الصحفي الذي لم تتواصلوا معه أو يتواصل معكم بما يشرح أهدافكم ويكمّل دوركم؟
في بداية إنشاء الهيئة لم نظهر إعلاميا، وكان هذا عن قصد لأننا في مرحلة «تأسيس»، لأنني شخصيا من موقعي كمسؤول في هذه الهيئة لا أحب لغة إعطاء الوعود التي لمّ تنجز، ولا أحب الحديث عن مستقبليات برامج يظل يترقبها الجمهور لأشهر، وذلك ابتعادا عن الحضور التقليدي المتغنى بما سيتم، ليكون عملنا هو من يقدمنا للمثقفين، ما جعلنا مقلين من جانبنا مع الإعلام الثقافي خلال تلك المرحلة.
* ما مد ى صواب أن الجانب الاستثماري هو الأحق بعناية الهيئة من الجوانب العلمية والثقافية، وأن مقياس الأداء سيرتبط بمعادلات رقمية تحسب المكاسب والخسائر، ومن ثم تقرر الاستمرار في النشاط أو تقليصه؟
ليس هدفنا الاستثمار في حد ذاته، وإنما هدفنا بناء قطاع اقتصادي، من خلال قطاع متكامل، يتكون من القطاع الثقافي الخاص والقطاع العام، بمعنى: إذ ظل القطاع الثقافي قائما على دعم الدولة، فلن يكون بهذه الصورة قطاعا اقتصاديا متكاملا، بل أصبح قطاعا حكوميا، بل قطاعا ثقافيا رعويا وتقليديا، وعلينا أن ندرك الفوارق بين القطاعات، إذ لا يمكن أن نختلف على أن قطاع «الفيلم» قطاع مربح، ومن ثم هناك إنتاج أفلام مربحة، وأفلام (فنية)، غير مربحة، مقارنة بالأفلام (التجارية)، المربحة، ومن هنا ستدخل الشركات للاستثمار في الفيلم التجاري، فهل يمكن هنا إقصاء تلك الشركات التي تريد الاستثمار في هذا القطاع؟!، وأن نتجه إلى أن يكون هذا القطاع قائما على الدعم الحكومي فقط! وكذا قطاع المسرح والإنتاج الموسيقي، الذي قد يكون هو الآخر مربحا وبشكل كبير، ما يجعلنا أمام بناء اقتصادي متناسق فيما بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، لإتاحة الفرص لفئة الشباب في القطاع الخاص لتحولهم لمستثمرين أيضا في هذه القطاعات الثقافية، وخاصة أننا نتجه من خلال هذه البنية الاقتصادية لا مجرد الربحية كما قد يتصورها بعضهم، ولكن للاستمرارية فيما يتصل بنشاط القطاع الخاص نفسه، وضمان استمرارية باتساق العمل الثقافي بين القطاعين الخاص والعام، أننا جزء من المنظومة الحكومية، ما يتطلب منظومة من العمل الثقافي المتفاعل والمتكامل بين القطاعين.