يعرف الطلاق من المنظور الاجتماعي بأنه شكل من أشكال التفكك الأسري الذي يؤدي إلى تحطم الزواج والأسرة وإنهاء الروابط الاجتماعية بين عنصريها الأساسيين الزوج والزوجة، وذلك بإنهاء العلاقة الزوجية بينهما, وغالباً ما يحصل الطلاق بسبب فشل أحد الزوجين, أو كلاهما في عملية التكيف مع الآخر, وبالتالي مع وضع الزواج يحدث كحل أخير للمشكلات الأسرية وسوء العلاقات الزوجية المستمرة التي قد تهدد صحة الأسرة عندئذ يكون الطلاق الحل الأمثل رغم أن ثمنه غالياً ومؤلماً يدفع الزوجين ثمنه النفسي والعاطفي والمادي غالباً بسبب انقطاع الروابط العاطفية والأسرية.
ولعل من أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق في المجتمع السعودي الذي ليس بمنأى عن المجتمعات الإنسانية الأخرى ممن تشتكي من آفة الطلاق.. فهي تتمثل فيما يلي:
أولاً: اختلاف طباع الزوجين وشخصياتهما:
تقوم العلاقة الزوجية على لغة الحوار والتفاهم والانسجام بين الزوجين، ولكن قد يكتشف الزوجان أن هناك اختلافاً حاداً في طباع كل منهما. وهذا التباين قد يكون راجعاً لفروق فردية بين الزوجين، أو قد يكون ناتجاً عن اختلاف الوسط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي نشأ فيه كل من الزوجين.
ثانياً: تدخل الأهالي:
إن سبب تدخل الأهل في شؤون العلاقة الزوجية يعد من أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق، ويمكن أن يعبر تدخل الأهل في شؤون الزواج عن نفسه في عدة أساليب وطرق منها تدخل أم الزوج أو أم الزوجة عن طريق الإيعاز لأنها بعدم احترام زوجته لأنها غير مناسبة له. والشيء نفسه قد يحدث مع الزوجة من قبل أمها.
ثالثاً: عدم الانسجام والتوافق بين الزوجين:
يقصد بعدم الانسجام والتوافق بين الزوجين أي وجود الفوارق العمرية والاقتصادية والاجتماعية والمزاجية بينهما ويعد هذا العامل من أهم العوامل المؤدية إلى الطلاق حيث إن وجود مثل هذه الفوارق بين الزوجين ينتج عنه عدم الانسجام والتوافق وبالتالي كثرة المشاحنات والخلافات التي تعكر صفو الحياة الزوجية وتهدد استقرارها مما قد يدفع بأحد الطرفين أو كلاهما إلى طلب الطلاق كما أن فارق العمر بين الزوجين الذي يتراوح بين 10 إلى 15 سنة يؤدي إلى اختلاف أفكارهما وتنميتها واتجاهاتهما لأنهما نتيجة هذا العامل ينتميان إلى جيلين مختلفين مما يسبب تناقض مواقفهما ونظرتهما إلى الحياة.
رابعا: سوء العشرة وكثرة المشكلات الزوجية:
من الأسباب المؤدية إلى الطلاق سوء عشرة أحد الزوجين أو كليهما ويقصد بسوء العشرة سوء الأخلاق والطباع والإهانة والتحقير من شأن الآخر مما يجعل من الصعب على أحد الزوجين تحمل الحياة الزوجية واستمرارها.
حيث يؤدي النزاع والخلافات المستمرة في الحياة الزوجية إلى تصدع الروابط الأسرية وخلخلتها مما يجعل صعوبة استمرار الحياة الزوجية لهذه المشكلات وبالتالي يفضلان الانفصال على مضض.
خامسا: الانفتاح الثقافي:
لا مناص من أن مظاهر التغير الاجتماعي والثقافي الذي يمر به المجتمع السعودي كأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية نتيجة الحديث والمستجدات التي طرأت على سطحه الاجتماعي أدت بالتالي إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والعادات والقيم الثقافية المستوردة التي ألقت بظلالها على النظام الأسري حيث ساهمت العوامل الثقافي في ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع خاصة مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعية بإيجابياتها وسلبياتها وانتشار الفضائيات والمواد التلفازية الإباحية وتلك المعطيات التقنية والوسائل الحديثة ساهمت في ظهور مرض الخيانة في الحياة الزوجية.
سادسا: غياب الحوار داخل الأسرة:
الحوار الأسري هو التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة عن طريق المناقشة، والحديث عما يتعلق بشؤون الحياة الزوجية من أهداف ومقومات وعقبات يتم وضع حلول لها وذلك بتبادل الآراء والأفكار الجماعية حول محاور عدة مما يؤدي إلى خلق الألفة والتواصل والمودة بين الزوجين والأبناء. والأسرة التي يتحاور فيها الزوجان لا تدخلها الأمراض الاجتماعية النفسية فلا وجود فيها لأمراض الاستبداد والعنف والمفاجآت غير المتوقعة أو تقوقع الزوجين والأولاد حول أنفسهم.
ولذلك يساهم غياب الحوار داخل الأسرة في كثرة الخلافات والمشاكل الأسرية وكثرة المشاحنات والشجار شبه اليومي وتزايد حالات العنف والهجر النفسي والعاطفي وبالتالي يحصل الطلاق.
وهناك عوامل ومسببات لا يسعنا المجال للتطرق إليها واكتفينا بتناول بعضها. ولاشك أن ظاهرة الطلاق في أي مجتمع تشكل خطراً يهدد استقراره وتقدمه.. فالمجتمع السعودي ليس بمنأى عن هذه الظاهرة السلبية حيث إن تزايد نسبة الطلاق في المجتمع السعودي يعتبر من أهم الظواهر التي تؤثر على المجتمع في الآونة الأخيرة بسبب آثارها الضارة التي تتجاوز المرأة إلى الأطفال الذين قد يشكلون خطراً على المجتمع مستقبلاً بسبب المعاناة النفسية والاجتماعية والعاطفية التي تواجههم في مسيرة حياتهم.
ففي إحصائية حديثة صدرت في شهري جمادى الأولى وجمادى الآخرة لعام 2018م بلغ عدد صكوك الطلاق التي صدرت نحو 10016 صكاً بمختلف مناطق المملكة العربية السعودية فيما تراوح عدد صكوك الطلاق الشهرية لفترة اثني عشر شهراً سابقاً بين 2.663 كحد أدنى و6.173 كحد أعلى، أي أن صكوك الطلاق في شهري جمادى الأول 4.858 وجمادى الآخرة 5158 صك طلاق للعام 2018م.
وهكذا تظهر الإحصاءات والتقارير الرسمية خلال الأعوام الأخيرة ارتفاعاً ملحوظا في نسب الطلاق في المملكة العربية السعودية مما يؤكد وجود خلل واضح في المنظومة الأسرية ومشكلة مجتمعية بحاجة إلى وضع الحلول المناسبة لها.
وهذه الإحصاءات تؤكد مدى خطورة ظاهرة الطلاق على البناء الاجتماعي ووظائفه لارتباطها بأكثر النظم الاجتماعية تأثيراً في حياة الأفراد والمجتمع بشكل عام وهو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى،
أما أهم الحلول الممكنة للحد من ارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعنا السعودي الفتي فهي ما يلي:
1 - إنشاء مكاتب استشارية للحد من الطلاق في المجتمع السعودي ودراسة حالاتها من قبل المتخصصين الاجتماعيين والنفسيين، حيث إن إنشاء هذه المكاتب تساعد في حماية التوافق بين الزوجين -بإذن الله- وإن كان من الأفضل إتاحة هذه المكاتب الاستشارية للراغبين في الزواج وبشكل إجباري حيث لا يتم إجراء عقد النكاح قبل التأكد من حسم الاختبار الزوجين لضمان حياة زوجية أكثر استقراراً وتوافقاً.
2 - إنشاء ما يسمى بعيادات الأسرة في الأحياء عبر تأهيل أطباء الأسرة والمجتمع تضم متخصصين في علم النفس والاجتماع والتربية للتعامل مع المشكلات الأسرية برؤية وتخصص.
3 - إدراج قضية الطلاق ضمن المناهج التعليمية والتربوية بصورة أكثر اهتماماً توضح مدى خطورة الطلاق وآثاره السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع.
4 - وضع سياسة وطنية متكاملة تكفل في معالجة الأسباب والدوافع المؤدية إلى الطلاق في المجتمع.
5 - عقد المؤتمرات العلمية والندوات التنويرية وورش العمل التوعوية التي تتناول سبل معالجة هذه الظاهرة (الطلاق) والعمل على رفع سقف الوعي الأسري وتأصيل مبدأ الحوار في الأسرة.
6 - ضرورة قيام المؤسسات الدينية ومنابرها الإعلامية بالدور الإرشادي والتوعوي بخطورة وآثار الطلاق على البناء الأسري والمجتمع وتوعية أفراد المجتمع حول مخاطر الطلاق وأهمية المحافظة على رابط الزوج واستقراره.
7 - إعادة النظر في بعض تشريعات وأنظمة الزواج مثل رفع سن الزواج وإعادة النظر في قضية زواج القاصرات التي تشهد ارتفاعاً في معدلات طلاقه.