فهد بن جليد
إلى وقت قريب كان مستوى الثقافة والفهم مُرتبطاً بسمك «عدسة النظارة» عند البعض، كانعكاس وأثر طبيعي لزيادة القراءة والاطلاع في الكتب والمجلات والصحف والدوريات «الورقية»، فالعيش بين رائحة الأحبار و»بحلقة العيون» في الأحرف والصفحات، يُنتج مثل هذا القصور في النظر، الذي اعتبر في حقبة زمنية ماضية مؤشر وعلامة ذكاء وفهم وفطنة، حتى انتشرت طُرفة قديمة بأنَّ هناك أصحاء نظرهم سليم 100 بالمائة، ولكنَّهم يلبسون النظارات الطبية في تلك الأزمنة «كمُكمِّل شخصي» للفت الأنظار, والانضمام لركب المُثقفين والمُطَّلعين والمُتعلّمين.
العلاقة الطردية بين لبس النظارة - نتيجة قصور في النظر - وبين زيادة الذكاء أو الثقافة والفهم والاطلاع، أثبتتها دراسة حديثة نشرتها جامعة إدنبرة مؤخراً، رغم اعتراض باحثين على نتائجها, ما يهمنا هنا هو أنَّ لكل جيل «علامات تُميِّز» النخبة الأكثر ثقافة واطلاعاً وفهماً فيه، اليوم لم تعد «النظارة الطبية، وضع قلمين في الجيب، لبس غترة بيضاء، حمل كتاب لقراءته في المقهى أو عند السفر... إلخ» - لم تعد - علامات ودلالات تُميِّز تلك النخبة، فتدفق المعلومات بسهولة، و الحصول عليها بلمسَة زر واحدة، قَلب الموازين، ولكنَّه أنتج آثاراً شبيهة «بقصور النظر» عند من نهلوا الثقافة من الورق قديماً، قد ننظر إليها « كأمراض عصرية» نتيجة التقنية، إلاَّ أنَّها علامات يتم تداولها بين «جيل جديد»، بعضه يُحاول تقمُّصها والانضمام «للنخبة» بذات الطريقة التقليدية القديمة في التشبُّه.
حمل «كوب» أو «مق قهوة» في اليد، ووضع شنطة جهاز المحمول على الكتف، كانت البدايات التي تُميز مُثقفي هذه الحقبة، ولكنَّ الحالة تطوَّرت للتشبُّه والتشابه شيئاً فشيئاً، حتى وصلنا حد التطابق في «التغريدات والسنابات» التي تحمل حكماً وأشعاراً ومقولات - تبعاً لخاصية النسخ واللصق - أصبح الجميع من خلال حسابات التواصل الاجتماعي مُتشابهين في كل شيء تقريباً، نصائحهم، أفكارهم، آرائهم، تفاصيل حياتهم، صورهم اليومية، حتى إنَّنا اشتقنا لرؤية لابس «النظارة الطبية» الحقيقي، الذي يعكس ثقافة الفهم والاطلاع والمعرفة في الزمن الماضي.
وعلى دروب الخير نلتقي.