عبده الأسمري
تابعت جزءا من أنشطة بعض الأندية الأدبية هذا الصيف.. وقد انصدمت من استضافة بعضها لأسماء ناشئة وأخرى غائبة وأخيرة لا تنتمي للأدب دخلت إلى منبرها من الباب الخلفي.. لم أرى أسماء توازي ما نعيشه من نقلة ثقافية كبرى في معترك الأدب والثقافة، وقد لمست طغيان الشللية على جوانب من المنابر الأدبية لدينا وكأن مجالس إدارات بعض الأندية تعمل وفق نهجها الخاص بعيدا عن إرضاء المتلقي أو إشباع غرور الباحثين عن الإبداع.
قبل زمن شهدت ساحات الأدب والثقافة لدينا صدام بين النخب وتصادم بين التيارات ثم تحول ذلك إلى تصفية حسابات خاصة شهدتها المنابر الثقافية وتم تغييب بعض أصحاب الأسماء الكبرى عن منصات الثقافة بسبب مواقف ذاتية من القائمين على الأنشطة المنبرية وقد تغيب البعض نتيجة المراشقات المتبادلة وحمى التصنيفات حتى زج بمضامين الإبداع في عنابر لفترة طويلة.. ولم تخرج إلا في الأنشطة الوطنية الكبرى مثل مهرجان الجنادرية أو معارض الكتاب كونها تعتمد على ترجيح كفة التنويع والتنوع وتنظر للسيرة قبل الاسم.
في فترة ماضية ظلت الأندية الأدبية تستعين بعلماء من الخارج وشخصيات من خارج أسوار الأدب حتى أنها بعضها نظم أمسيات ولقاءات مع مسؤولين حكوميين وتحول فيها المنبر إلى ورشة عمل جعلت العديد يخرج من مسارحها بمجرد الوهلة الأولى لملمح المناسبة ونوع من الأندية اتخذت من منابرها فرصة لتلميع أصحاب رئيس النادي أو التطبيل لعشيرته الأقربين فدخلت فيها المصالح وصادر مفهوم «الشلة» كل معاني الأدب.
ما نشاهده حاليا معادلة غير عادلة فنجد أديبا اعتراه المشيب جال وصال في بحور الشعر اسما وموهبة وإنتاجا في أمسية واحدة بجانب مبتدئ لا يزال يركض على شواطئ الكلمة.
اعتماد الأندية الأدبية على سد الفراغات بأسماء جديدة أو أخرى دخلت من بوابة الواسطة أو أخيرة حسبت على الثقافة بذاتية القرابة أو الصداقة أو الشللية يجعلنا أمام أزمة حقيقية للأدب وأخشى أن ينعكس ذلك على امتناع وابتعاد الأدباء والمثقفين عن تلك المنابر والهروب من مسارحها إلى الخارج حتى لا يدخلون في أمسيات أو مناسبات أقيمت لتأدية الواجب ولإظهار كل ذلك في تقارير مخجلة ترفع للوزارات تعتمد على الكم وملء جداول التقارير بالأسماء والعناوين كيفما اتفق !!
الثقافة أمانة يجب أن يعي مسئولو الأندية الأدبية بأهميتها وبضرورة تحويل المنابر الثقافية إلى منصات تنثر الإبداع أمام المتلقي لا أن تكون مكانا للظهور الشخصي وجلب الأصدقاء لقراءة قصائدهم من أوراق كتبت عليها قبل الأمسية بأيام وكأننا في مسرحية هزلية لإضحاك الآخرين.
الباحثون عن العطاء الثقافي والمتيمون بالكلمة يتطلعون إلى أسماء لها وزنها داخليا وخارجيا وإنتاجها الملموس ونتاجها الجلي يريدون تنويعا ينتظرون منصة تنقلهم إلى المعرفة وتحويل المنبر إلى كتاب مقروء يستفاد منه لا أن تكون للتلميع الذاتي وتمرير النشاط من خلال أمسيات يحضرها أشخاص محددين بعضهم لا يزال على مقاعد الجامعة ويوصف بالمثقف وينعت بالقاص والشاعر والأديب!! في حين أن هنالك جمهورا يعي ما يسمعه ويفلتر ما يتلقاه.. مما قد يجعل مسارح الأندية الأدبية خاوية قادم الأيام إلا من أصدقاء الضيوف وما أكثرهم حاليا في الصفوف الخلفية وهم من يطلقون التشجيع والتصفيق بتوجيه من صاحبهم الضيف «الأديب المهيب!!»المستضاف بحيلة «الشللية»!!
مسارح الأدب ليست كمدرجات الملاعب تنتظر فوزا أو انتصارا أو العكس ولكنها مواقع للرقي ومنابع للارتقاء بالكلمة والعبارة والمنتج الثقافي بكل فنونه,
لدي توجس أن تلقى هذه الظاهرة بظلالها السلبية على الأدب لدينا فتتشابه المنابر لدينا مع بعض البرامج الرياضية في القنوات والتي تشهد موتا سريريا.. أتمنى أن تتم إعادة النظر في أنشطة الأندية الأدبية وأن يكون هنالك رقابة وموضوعية في اختيار الأسماء والمنتج الثقافي حتى لا يحتجز الإبداع في عنابر تحول بين المثقف الحقيقي والجمهور المتعطش للأدب.