حاوره - محمد المرزوقي:
نفى رئيس الهيئة العامة للثقافة المهندس أحمد بن فهد المزيد، القطيعة الإعلامية بين الهيئة والإعلام الثقافي، مؤكدا رفضه من جانب آخر مزاولة سياسة «الوعود»، واصفا لغة الأرقام بأنها لا تعني الجودة، بقدر ما تتجه إلى الكم، مؤكدا في حواره لـ(الجزيرة)، على أن حوكمة العمل الثقافي هي مطلب مرحلي لتحقيق تطلعات رؤية 2030، التي تشتغل الهيئة على تنفيذها وفقا لاستراتيجية عبر مساري: التخطيط؛ إقامة المناشط الثقافية، مشيرا إلى أن التكاملية لا تعني الازدواجية بين المؤسسات الثقافية، منبها من ركوب الموجات الثقافية التي قد تتماهى بالفرص الاقتصادية في قطاعات الإنتاج الثقافي، الذي يتطلب صناعة منافسة، أول مرتكزات نجاحها تكامل بنيتها التحتية بالتهيئة والتأهيل والتدريب والابتعاث، بما في ذلك استقطاب القطاع الخاص ليكون شريكا رئيسا في بناء اقتصاديات الثقافة الجاذبة للاستثمار.
* في موازاة الأندية الأدبية تقف فروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، إذ يشكو متابعو الحراك الثقافي من «ازدواجية دورها» مع الأندية من جانب ومع الأنشطة المدخلة مؤخرًا من جانب آخر كالسينما والمسرح والموسيقى، أفلا ترون أن من المهم فك التداخلات بين الأنشطة المتشابهة ؟ وهل نتوقع صورة جديدة للعمل الثقافي المتفاعل لا المتداخل؟
** هدف هيئة الثقافة الانتقال بالعمل الثقافي إلى حراك تفاعلي، فأي عمل ثقافي ذو جودة مرحب به، فلا الهيئة ولا أي مؤسسة ثقافية ستحد أو تقلل من العمل الثقافي، فنحن مع أن تعمل جميع الأندية الأدبية وفروع جمعية الثقافة والفنون بكل ما يثري الحركة الثقافية، وقد بادرت الهيئة منذ مطلع شهر رمضان وحتى آخر العام الجاري على دعم الموسم الثقافي لهذه المؤسسات أندية وجمعيات، وليس دعما (ماديا) فقط، وإنما دعم يتجاوز المادي، إلى استقراء ما تقدم، فقد سعت الهيئة من خلال اجتماعاتها مع هذه المؤسسات، لجعل برامجها أكثر جودة، من خلال التركيز على مسارات تم تحديدها، ومنها ما اختصت بإقامة الأندية، وأخرى تقدمها فروع الجمعية، عبر برامج تقوم الهيئة بدعمها بطرق مختلفة لدى القطاعين، وخاصة في بعض المدن التي بها فروع لجمعية الثقافة وليس بها أندية أدبية، إذ إن وجود الصرح الثقافي هام جدا، إلا أن مسماه أقل أهمية، والأهم من هذا وذاك هو تقديم عمل ثقافي يتميز بالجودة، وليس المهم لدينا أن نخطّط لسنوات لنبدأ بعد ذلك العمل، وإنما التخطيط والتنفيذ والتطوير بشكل مستمر، ما جعل من مناشط الهيئة بالتعاون مع الأندية وفروع الجمعيات، متواصلة في العديد من مناطق المملكة، أما فك ما يمكن وصفه بالاشتباك في بعض مجالات الأنشطة فهذا ليس مرده جهة واحدة، وإنما سيتم معالجته من خلال «حوكمة تكاملية» لكافة قطاعات الثقافة.
* ماذا عن الدعم وتنوعه بين المادي، والدعم غير المادي، مقارنة بما يتميز به ناد أدبي مقارنة بغيره، أو فرع دون آخر من حيث كثافة المناشط، وجودة البرامج؟
** نحن نعلم الاختلاف والتنوع ما بين منطقة وأخرى من مناطق المملكة، ما يجعل هناك تمايز في زيادة الإقبال على بعض الفنون مقارنة بغيرها، فهناك مناطق ينشط فيها التصوير الضوئي، أو الفن التشكيلي، وأخرى فن المسرح، وأخرى تتميز بفنون إبداعية وأدبية مختلفة، ما يجعل الهيئة تقوم بدعمها المختلف مع الأخذ بهذه الاهتمامات، وهذا لا يعني بأي حال أن المناطق الأخرى تخلو من تلك الفنون، ولا أن المؤسسات الثقافية فيها لا تقدم تلك المناشط، إلا أن هذا جعلنا نتلمس «مكامن القوة» من خلال المناطق وعبر المؤسسات الثقافية فيها، ومن ثم نقوم بدعم هذه المؤسسات لضمان استمرارية تقديم فعاليات ذات جودة، ما يجعل من دعمنا هو دعم للمثقف ولكن بشكل غير مباشر، وذلك من خلال دعم المؤسسات التي ترعى إبداعه، وتحتضن نتاجه، إذ المؤسسات بما فيها الهيئة ما هي إلا أدوات لخدمة المثقفين، ورعاية نتاجهم، وصولا إلى الارتقاء بحراكنا الثقافي، ونوعية مخرجاته الثقافية المختلفة في كافة فنون الثقافة.
* جائزة الدولة التقديرية حلمًا كبيرًا للرعيل الأول من الرواد الذين مضوا وقضوا، وللرواد الذين ما يزالون ينتظرون، ومع أنها لم تقدَّم سوى دورتين فقط وتوقفت قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وبالرغم من الوعود المتكررة بقرب إعادتها؛ فهل سيكون لكم دور في إحيائها بل وتطويرها لتنضم إلى جانبها «جائزة الدولة التشجيعية للشباب»؟
** تقدير المثقفين والاحتفاء بمنجزاتهم هدف هام، وهو محل اهتمام الدولة ومن ثم مؤسساتها، إذ يعني تقديرنا للمثقفين، تقديرنا للثقافة، فتقدير الأدباء هو تقدير للأدب وفنونه، ما يجعلنا مع وجود جوائز، ومع تنوع مجالاتها، وتعدد الجهات المانحة لها، إلا أنني هنا أؤكد فيما يتصل بدورنا تجاه الجوائز التقديرية التي يمكن أن تمنحها هيئة الثقافة مستقبلا بأن الجائزة التقديرية الممنوحة ما هي إلا جزء من التقدير، فلدينا ضمن البرامج التي نعمل عليها ما يتصل بهذا الجانب، إلا أننا نسعى إلى تكريم يتواصل احتفاؤه بالمثقفين من خلال وجودهم في مختلف المناشط مشاركة، وحضورا، وعبر مختلف الفعاليات الثقافية التي تقيمها الهيئة داخل المملكة وخارجها، لذلك نحرص خلال إقامة الفعاليات الثقافية في الخارج على اصطحاب مثقفين ومثقفات، لتظل أسماؤهم حاضرة داخل المملكة وخارجها، إذ نرى بأن هذا جزء من التقدير، وجانب من جوانب التكريم للمثقف واحتفاء بمنجزه الثقافي، إذ إن الجائزة في رأيي مهمة جدا بأن ينالها كل من استحق التقدير، إلا أنها - أيضا- ليست الآلية الوحيدة للتقدير، لأن الفكرة لا تكمن في الاحتفاء بالمثقف وتكريمه بجائزة في ليلة خلال عام، وإنما تكريمه من خلال دعوته مشاركته عبر مناشط الهيئة المختلفة محليا ودوليا، بما تفترضه طبيعة الحضور أو المشاركة في الفعاليات المتنوعة، أدبية، أو مسرحية، أو سينمائية، أو غيرها من سائر الفنون الثقافية والإبداعية الأخرى، فوجود المثقفين والمثقفات في محافل دولية ثقافية، وهم يمثلون المملكة، عبر ما تقيمه الهيئة من برامج ثقافية ما هو إلا تقدير لهم واحتفاء بثقافتهم، لذا نحرص على أن نستقطب أسماء جديدة في كل فعالية دون أي تكرار في الأسماء، ما يجعلنا أمام آليات مختلفة من التقدير والتكريم، تسعى إلى شمولية في تقدير المثقفين، وشمولية في الاحتفاء بمنجزهم الثقافي بكافة فنونه.
* «الأيام الثقافية»، نوافذ سعودية على العالم، فماذا عن تطويرها تحقيقا للجودة البرامجية، التي من شأنها تقديم الصورة الحضارية والثقافية للمملكة، وتسويقا لثقافتنا السعودية عبر أيامها حول العالم؟
** لن أتحدث بداية ولو كمدخل للإجابة على هذا السؤال عما كانت عليه الأيام الثقافية التي تم تنفيذها خارج المملكة خلال السنوات الماضية، وإنما سأقتصر حديثي على ما تقوم به هيئة الثقافة في الإعداد لهذه الأيام وتصميم برامجها، إذ نبدأ في الإعداد للأيام الثقافية بدءا باختيار الدول التي سيتم تنفيذ البرامج فيها، من حيث طبيعة البرنامج الذي سيحدد محتواه الفئة المستهدفة بفعاليات هذه الأيام، ومن ثم نوع الفعاليات التي سيتم تقديمها، ومن ثم نعمل على اختيارها وفقا للبعد الدولي، فكما هو معروف لدينا الدول العربية، والإسلامية، والدول الأجنبية، ما يجعلنا نصمم برامج مختلفة ابتداء من هذا المنطلق، إذ ليس لدينا برنامج واحد نقوم بتنفيذه في مختلف الدول، بحيث نقدم المحتوى البرامجي نفسه من دولة إلى أخرى، فلكل دولة نقيم فيها أياما ثقافية نقوم بتصميم برنامج خاص بها، فعلى سبيل المثال، عندما أقمنا أياما ثقافية في طاجاكستان، بوصفها إحدى الدول المسلمة التواقة إلى معرفة المزيد عن ثقافتنا الإسلامية، كان من ضمن ما قدّم لهم، مجسمان للحرمين الشريفين، ماء زمزم، التمر، الحناء، إلى جانب العديد من المعروضات الشعبية وفي مقدمتها الأزياء التراثية السعودية، الخط العربي، إضافة إلى فرقة شعبية عرضت العديد من الفنون الشعبية السعودية، وذلك في أحد الشوارع الذي تحول إلى مسرح مفتوح، شارك فيه الطاجاكستانيون بتفاعل رائع.
أما عندما ذهبنا إلى عدد من الدول الأجنبية الصديقة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا.. لم يكن فيها شيء مما قدمناه للطاجاكستانيين، وإنما جاء ضمن ما عرضناه في هذه الدول مقتنيات لمنحوتات، تحف، ولوحات تشكيلية ذات مستوى عال وعالمي، إلى جانب ما تم عرضه من أفلام سينمائية، إضافة إلى ما تم عقده ضمن البرنامج المصاحب للعروض السينمائية من لقاءات بين المخرجين السعوديين، والمخرجين في تلك الدول المستهدفة بتقديم تلك الأفلام، بحضور الجمهور في كل دولة، الذين تفاعلوا من خلال حضورهم لحلقات النقاش الفلمية، التي تحولت إلى جلسات نقدية سينمائية.
كما قدمنا نزولا عند طبيعة تلك الدول عروضا «افتراضية»، تصور العديد من المواقع في المملكة وفي مقدمتها الحرمين الشريفين، إلى جانب المواقع التراثية والآثارية كالعلا وغيرها، وذلك من خلال غرفة افتراضية يدخل إليها الزوار للتعرف على المملكة من خلال عروض احترافية، إضافة إلى ما تم تقديمه من معزوفات على القانون، وعروض موسيقية بمصاحبة (الجاز)، وذلك لتقديم الموسيقى العربية بعمقها الأدائي، فيما قدمنا في بريطانيا، على سبيل المثال - أيضا - صورا لزيارة الأميرة «ألس»، للمملكة، ما يجعلنا خلال الأيام الثقافية ما بين دولة وأخرى، من تصميم برنامج إلى تصميم آخر.
لذلك ومن خلال هذه المنطلقات، والبرامج التي نستهدف بها كل دولة من الدول التي سنقيم بها أيامنا الثقافية، فقد وجدنا من خلال استطلاع الآراء لقياس مستوى تغيّر رؤية تلك الجماهير عن المملكة العربية السعودية، إذ وجدنا أن ما نسبته (77 %) من البريطانيين الذين حضروا فعاليات الأيام الثقافية السعودية، أكدوا تغير رؤيتهم عن المملكة من (سلبية أو محايدة) إلى (إيجابية)، وهذا تطلب منا تقديم فعاليات بمحتوى عالي الجودة، وذات مستوى نوعي يرقى إلى العالمية من حيث الشكل و المضمون وطريقة التقديم، ما جعل من مثل هذه الأصداء مؤشرات وثمرة للاعتناء بتصميم برامج الأيام الثقافية، ما افترض أيضا المشاركة بأسماء مختلفة من دولة إلى أخرى، دون أي تكرار في أسماء الضيوف المشاركين، لإشاعة روح التفاعل، وتلاقح التجارب الثقافية والإبداعية في مختلف الفنون، بين مختلف شرائح المثقفين، ومساراتهم الأدبية والإبداعية والفنية.