عبد الله باخشوين
المثير في رواية (المعلم ومارغريت) للكاتب السوفياتي ميخائيل بولغاكوف التي ترجمها للعربية الأستاذ إبراهيم شكر وصدرت عن دار المروج عام 1986، المثير فيها أنها لم تصدر عن نسخة أعدها الكاتب للنشر، بل قامت بإعدادها للنشر زوجته بعد وفاته عام 1940.. بعد (استخلاصها) من (ثلاث مسودات) مختلفة عمل عليها الكاتب في فترات متباينة من حياته ومات قبل أن ينهيها. لكن الرواية لم يسمح بنشرها إلا في عام 1966.
أما مترجمها فقد وضع على غلافها عنواناً بارزاً يقول: (الشيطان يزور موسكو) وإلى جانبه اسم الرواية بخط صغير جداً.
والحق أن إعجابي بالمترجم هو الذي دفعني لقراءة الرواية- في ذلك الوقت- فأنا لا أعرف عنه وعن جهوده الأدبية أي شيء أكثر من أنني قرأت له في عام 78 أو نحوها ترجمة رائعة لقصيدة الشاعر الروسي (بوشكين.. الفارس النحاسي) نشرت في جريدة النهار البيروتية.. شبه فيها مضمون القصيدة بأحداث لبنان في أيام كانت فيها الحرب الأهلية على أشدها.. وظلت تلك القصيدة تطاردني سنوات طويلة بعد أن تركت في نفسي أبلغ الأثر ودفعتني لإعادة قراءة بوشكين بمشاعر حميمة.
المهم.. من ثلاث مسودات ظهرت واحدة من أهم الأعمال الإبداعية في الحقبة السوفياتية. تمسك الراوية أولاً بخط (الإلحاد) في خلفيتها وفق النظرية الشيوعية المعادية والمنكرة لوجود (الدين) حيث ظهرت في الثلاثينيات إشاعة في موسكو تقول بظهور (المسيح) وبما أن إنكار وجود المسيح يعني -بالضرورة- عدم وجود (الشيطان) وكل الحقائق الدينية الثابتة لدى المؤمنين بأي دين.
يقوم بولغاكوف باستدعاء (الشيطان) في روايته ويجعله يتجول في (موسكو) ليثبت وجود المسيح والشيطان.. في سخرية من الأدب والأدباء الذين تبنوا مقولات الإلحاد.. ويظهر بطل الرواية (فولند) كساحر حقيقي يصحبه (قط) أسود يتحدت كالبشر ويقوم بالعجائب.. وتدور الأحداث بين موسكو والقدس.
يقوم القط (بيهموت).. ومرافقه (كرفيوف) بتنظيم حفلات سحر مرعبة استلهمت فيما بعد في كثير من أفلام الرعب الأمريكية.. وتتخلل العمل تداخلات دينية بين المسيحيين واليهود وصراع حول مصير المسيح ومحاولة إنقاذه من الصلب.. في سياق مرعب وغير منطقي
ولعل هذا من أهم الأسباب التي أدت لعدم استقرار الرواية ففي عام 66 ظهرت منها طبعة مختصرة وفي عام 73 ظهرت طبعة في فرنسا قيل إنها الطبعة الكاملة ثم تبين أن هناك جزءاً محذوفاً منها ونشرت قبلها في عام 69 طبعة أخرى في ألمانيا قبل أن يتم اعتماد الخبراء والدارسين عام 89 طبعة عام 73 على أنها النهائية.
ويظهر في الرواية شخصيات مثل (بيلاطس البنطي) و(يهوذا) و(عزازيلو) في ظل أحداث غريبة تدفع الشرطة لمحاصرة الشقة للقبض علي الشيطان وأتباعه لكنهم يحرقون المكان ويغادرونه أمام الجميع دون أن يمسك بهم أحد.
وللسخرية فإن (القط.. بيهموت) يتخصص في التشويش على الشعراء والأدباء ويشارك في أعمال السحر التي يديرها الشيطان فولند وحين يحب أن يظهر في شكل رجل شبيه بالقط.
وهنا نشير إلى أن الدافع للكتابة عن هذه الرواية التي لا تخلو من مشاهد الرعب القاسية يعود إلى أنها تعد أهم الروايات التي ظهرت في عهد ستالين وأثرث فيما تلاها من أعمال فنية دفعت كاهن الكنيسة الروسية لإصدار كتاب للرد عليها بعد أن اعتبرها مناصرة للشيطان.. واستلهمت أحداثها في أفلام وأغانٍ أوروبية وأمريكية شهيرة وإن كنا لا ننصح بقراءتها لما فيها من مشاهد رعب قاسية استعادتها السينما فيما بعد.. فضلاً عن الطابع الإلحادي والإساءة للأديان في مضمونها.
ويمكن أن نختتم الحديث عنها بالقول: إن مدينة موسكو افتتحت في عام 2006 متحفاً خاصاً بالكاتب بولغاكوف لما له من أعمال مسرحية شهيرة وروايات أشهرها (قلب كلب).. غير أن المتحف تم التعدي عليه في نفس العام من قبل فئات مناهضة للكاتب وروايته (المعلم ومارغريت).