د. محمد عبدالله العوين
مثل عربي قديم يُقال لمن برئ بعد وهن ثم أعطي دواءً ناجعاً واستمع إلى نصائح نطاسي حاذق؛ فبرئ واستعاد عافيته ورجعت إليه حيويته واستأنف سيرته الأولى بعد أن تعطَّل أو كاد.
ذاك نحن الذي أصابه شيء قليل من الوهن قعد به عن مواصلة مسيرته في الحياة بالحيوية التي ألفها نتيجة ما دخل عليه مطلع التسعينيات الهجرية من القرن الماضي السبعينيات الميلادية؛ فقد تولد جيل تلاه جيل ثم جيل ثالث تربى كثيرون من أبناء تلك الأجيال الثلاثة على أيدي معلمين وموجهين ومؤثّرين من جماعة الإخوان المسلمين وفدوا إلينا من دول عربية عدة؛ فتولوا التدريس في عدد من المراحل التعليمية المبكرة وفي الجامعات وفي وزارة المعارف وغيرها من الجهات التي تعنى بالتوجيه والتثقيف ووضع خطط ومناهج التعليم.
لقد كانوا يصنعون (قيادات) قادمة على عيونهم؛ فيصطفون من يتوسمون فيه النجابة والذكاء ويعنون به أشد عناية ويرعونه أشد رعاية؛ حتى ليتنزل إلى خاطره وهم أنهم صادقون في حبهم له وإعجابهم به وتقديرهم له ما لا يشعر بقليل منه عند أهله؛ فيبادل إعجابهم بحب، ويلاقي رعايتهم بتلبية ما يطلبه منهم كبراؤهم ومن يتولى التخطيط ووضع الإستراتيجيات منهم.
وهكذا نشأ كثيرون من الأجيال الثلاثة على ما ذهب إليه فكر الجماعة، وحين كبروا ووصلوا إلى مراكز التأثير كان التلامذة أشد اندفاعاً في الإيمان بأفكار الجماعة وأقوى تأثيراً في مجتمعهم من أعضاء الجماعة الهاربين من بلدانهم واللاجئين إلينا باحثين عن الأمن ومصادر الرزق الوفيرة.
كانوا يعنون بمن يصنع تحت أعينهم إلى أن يصل إلى الموقع المؤثِّر، ولو استدعى الأمر كي يصل إلى موقع وظيفي مؤثّر في إطار التعليم بالجامعات أو غيرها من الوظائف المهمة أن يبتعث لإكمال دراسته العليا خارج البلاد سعوا إلى ابتعاثه وتيسير أمور بعثته؛ ليعود إلى المكان الذي يهيأ له.
لم يكونوا على عجلة من أمرهم؛ يطبخون على نار هادئة، يغيرون المجتمع شيئاً فشيئاً إلى النهج الذي يريدون، متبعين سياسة إمامهم «حسن البنا» الذي يقول في «مذكرات الدعوة والداعية» إن التغيير يبدأ من القاعدة إلى القمة؛ لا العكس « ولذلك عني عناية شديدة بالشباب الذي يتلقى مبادئ الجماعة ويؤمن بها إيماناً يداخل جيناته فيفدي الجماعة بنفسه ولا يرى غيرها أحق بأن يكون له الصوت الأعلى النافذ المؤثِّر، فأولى اهتماماً غير عادي بتدريبهم على القوة وأنشطة ما أسماه بـ «الجوالة» وكأنه يريد أن يدخل بهم ساحة حرب.
لقد غيَّر التلامذة المخلصون بحماستهم كثيراً من مفهومات مجتمعهم وعاداته وأفكاره ونسق حياته أكثر مما توقّع المنظّرون الفارون من ديارهم، وبلغ تأثيرهم حداً وكأنه تحول فجأة إلى مجتمع آخر غير ذلك الذي كان قبل التسعينيات الهجرية.
ولكن الله تعالى أراد له أن يعود كما كان وفق «رؤية 2030م» التي توازن بذكاء وحكمة ووعي عميق بين الأصالة والمعاصرة، والأخلاق والحداثة، والتاريخ العربي الإسلامي المجيد والانفتاح على الثقافات الإنسانية؛ وكأنما أطلق من عقال.