د. أحمد الفراج
تداول المغرّدون صورة للرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وهو يحمل كتاب الإعلامي الأمريكي من أصل هندي، فريد زكريا، بعنوان «عالم ما بعد أمريكا»، وقد علّق المغرّدون على الصورة باعتبار أنها التقطت حديثاً، والواقع هو أن الصورة قديمة، التقطت قبل فوز أوباما بالرئاسة، إذ التقطت تحديداً في عام 2008، عندما كان المرشح أوباما يقضي إجازته في مدينة بوزمان، في ولاية يوتا، والجدير بالذكر هو أن أوباما من أشد المعجبين بفريد زكريا، الذي لمع اسمه، بعد أن كتب تقريراً (مقالاً) في مجلة نيوزويك، التي نشرت عنوانه على غلافها، وكان العنوان مثيراً للغاية: «لماذا يكرهوننا»، وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو الحدث الذي هزَّ العالم أجمع، ولم يعد العالم هو ذاته منذ ذلك الحين.
الطريف في الأمر هو الجدل الكبير الذي أثير، بعد نشر تلك الصورة، التي التقطها المصوِّر، دوق ويلز، من جريدة النيويورك تايمز، وكان ذلك خلال الفترة التي كان هناك تخوف كبير من المحافظين، من إمكانية فوز هذا المرشح الغريب، أو الأمريكي من أصول إفريقية، إذ كان أوباما حينها ملء السمع والبصر، وأصبحت إمكانية تحقق المعجزة، وفوزه بالرئاسة أقرب من أي وقت مضى، وما زلت أذكر بعض التعليقات على صورة أوباما وهو يحمل كتاب زكريا، وكان نص أحدها: «أكثر المرشحين الديمقراطيين ليبرالية في التاريخ الأمريكي»، كما كتب الإعلام المحافظ حينها، وحذّر من أوباما، الذي يقرأ كتاباً لمؤلف مسلم! يتحدث عن نهاية أمريكا، وهذا بالطبع أمر يخيف المحافظين البيض إلى حد كبير.
في نهاية المطاف، فاز أوباما برئاسة أمريكا، رغم تحذير المحافظين من مغبة فوزه، وتقتضي الموضوعية أن أشير إلى أن مزاعم المحافظين لم تكن واقعية، فالإعلامي، فريد زكريا، لم يكن مسلماً بالمعنى التقليدي للكلمة، فهو نشأ في أمريكا، واندمج مع ثقافتها، وهو ليبرالي يساري، وإن كان يزعم أنه وسطي واقعي، كما أن الكتاب، الذي أخاف المحافظين، لم يكن يتحدث عن نهاية الإمبراطورية الأمريكية، كما يشير عنوانه، بل عن قضايا فلسفية أشد تعقيداً من ذلك، ومع أن أوباما لم يبد اكتراثاً بالتعليقات، التي صاحبت نشر صورته، وهو يحمل كتاب زكريا، إلا أنه حرص بعد ذلك على أن لا يُظهر إعجابه بمؤلف الكتاب، ولا بإطروحاته، ولكن من تابع سيرة أوباما، وسياساته الخارجية، خصوصاً تجاه قضايا الشرق الأوسط، لا تخطئ عينه مدى تأثر أوباما بأفكار زكريا، وهذا سيكون موضوع المقال القادم.