عمر إبراهيم الرشيد
مع توارد أخبار هذا العالم الملتهب في نصفه الشمالي تحديداً، ليس لهيب الحروب أقصد فقد أسقمتنا أخبارها، إنما لهيب هذا الصيف والشمس تلفح شمال الكوكب، فمن حرائق غابات مدينة الفلاسفة أثينا إلى لهيب حر طوكيو التي أعلنتها كارثة طبيعية، مروراً بحرائق بعض الولايات الأمريكية ووفيات كندا. إنك حين تقرأ أو تسمع أو تشاهد مثل هذه الأخبار، وتقارن درجات الحرارة في تلك الدول بدرجات أجوائنا، تدرك ما وهبنا الله تعالى من تأقلم وصبر ومعايشة لأجوائنا اللاهبة، فعودة زمنية شهراً إلى الوراء في رمضان الكريم وصيام نهاره المتطاول الحار تكفي لتذكر هذه الحقيقة حتى لا ننسى هذه الرحمة.
قبل أيام قرأت خبر الاتفاقية التي وقَّعتها وزارة البيئة والمياه والزراعة وشركة الخطوط الحديدية لزراعة مليوني شجرة على جانبي مسارات القطارات في المملكة، والأمنية أن تتحقق هذه المبادرة سريعاً، فما شهدته المنطقة الوسطى تحديداً وهذه الأيام كما رأينا من زحف رملي مهول هو شاهد على الخلل البيئي الذي تسبب فيه الإنسان مع شديد الأسف، مع أنك تسمع التهكم في المجالس ووسائل التواصل عن أجوائنا وحرها وغبارها، وكم نتهكم على البيئة مع أنها هي من تشكو من جور التعدي والإهمال. وزارة الشؤون البلدية بدورها أطلقت برنامج (أنسنة المدن) وهو أو إطار عمل واعد عانى سكان المدن عقوداً وما زالوا كذلك حتى أعلن عنه، إنما هل هناك أنسنة للمدن ومنهجية بعض الأمانات والبلديات إن لم نقل معظمها، ما زالت تتسابق لقلع الأشجار لتوسيع شارع أو حفرة أو بناء رصيف.
أقول هذا ونحن نتعايش مع لهيب هذا الصيف بما منحنا الله من وسائل، لكن شوارعنا عارية إلا من الأسفلت الذي يضاعف الحر، وكتل الخرسانة الصماء الكافية لبناء مدن هي الأخرى تختزن لهيب الشمس لتعيده ليلاً، فلا نلقي باللوم على البيئة والصيف وأجوائنا وقد وهبنا الله من الإمكانات المادية لنجعل شوارعنا وأحياءنا ولو نصف خضراء، لتكون رئة نتنفس بها ونكسر ثنائية اللونين الأسود والرمادي الذين صبغا مدننا جفافاً نفسياً وبيئياً. أما عذر المياه فهو أو هي من بيت العنكبوت، ونحن نعلم أن نهراً من المياه المعالجة يجري جنوب العاصمة ويكفي لجعل شوارعها وميادينها خضراء وارفة الظلال لكنه يذهب هدراً بكل أسف، عدا عن أن في بعض الأحياء مياهاً سطحية تمكّن من التشجير الكفيل بسحب الفائض منها ومن ثم توازن كمياتها. كميات الأسفلت الهائلة والخرسانة الرهيبة جعلت الرياض رابع أسرع مدن العالم نمواً، مشاريع النقل والمترو والإنفاق والجسور وغيرها، وهذه تنمية واقتصاد بمئات المليارات ولله الحمد، يبقى على وزارة البيئة وهي أكبر جهة مسؤولة عن بيئتنا ورئتنا الخضراء استغلال الدعم الحكومي السخي، وتشجيع المبادرات من قبل الجمعيات الخضراء التي أخذت بالانتشار، إضافة إلى مبادرة الوزارة نفسها لزرع أربعة ملايين شجرة والتي نأمل سرعة تحقيقها وزيادة العدد لأنها لا تكفي كل مدن المملكة.
نعم أجواؤنا لاهبة جافة، لكن بيئتنا ظلمت ولا تزال فرفقاً بها، ولا نطلب من الحكومة العمل دون أن نبادر، فزراعة شجرة أمام البيت أرقى مساهمة!