لبنى الخميس
اليوم لدينا سوق منتعشة لبرامج الأسئلة الدينية والعاطفية.. فهاتف تلك المحطات لا يتوقف عن الرنين مع إطلالة كل موسم! شخصياً وبدافع الاستطلاع والفضول.. أتابع تلك البرامج باحثة عن سؤال عميق وفذّ.. قد تتفتح معه مداركي، وتتوسع أفاقي، في مجال أخذ صِبغة المتوقع وارتدى رداء المألوف.. إلا أنني أسمع أسئلته موسمية رتيبة.. تخرج من صناديقها العتيقة.. دون تفكير أو تغيير أو تجديد، بل تكرار رتيب وترديد كئيب.
لكن لماذا خبت جذوة السؤال؟ وانطفأت شعلة الفضول؟ نظامنا التعليمي يلعب دوراً جوهرياً في ذلك، فمدارسنا وما يدور في أروقتها من مواد دراسية وأساليب تلقينية نشأت في العصر الصناعي.. الذي كان يهدف لتخريج عمال طيّعين.. يتلقّون الدروس بصمت.. كما يتلقون الأوامر بخنوع.
لكن دعونا نعود خطوات إلى الوراء.. ونتعقب مسيرة طفل دخل إلى المدرسة كعلامة استفهام متحركة، وخرج منها كنقطة على السطر.
تقول الإحصائيات بأن الطفل من عمر الثلاث سنوات وحتى الخمس سنوات يسأل أكثر من 40 ألف سؤال وتصل تلك الأسئلة إلى ذروتها في سن الرابعة من العمر، إذ يتحول الطفل إلى ماكينة أسئلة متنقلة، إلا أنه وبعد دخوله للمدرسة وانخراطه في النظام التعليمي التقليدي تبدأ شعلة الفضول بالانطفاء.
بقصد أو من دون قصد، يلعب نظامنا الاجتماعي أيضاً دوراً محورياً في قمع السؤال.. حينما يقاومه بزوغه بشعارات اجتماعية سلطوية مثل «أنا أبخص» «مو وقته» و «هذا السؤال أكبر من سنك» فيكبر الفرد صامتاً وضائعا ً وهو يجهل الكثير.. ولعل أبرز ما قد يغيب عنه.. لماذا لم يكن مؤهلاً كفاية ليسأل؟ أو بالغاً كفاية ليعرف؟ أو حكيماً كفاية لينتقي التوقيت المناسب؟!
تاريخنا الإسلامي حافل بإنجازات وأفكار ومعانٍ بزغت من عمق التساؤل، ونهضت على كاهل التفكر والفضول، كما أن عمر بن الخطاب جعل كثرة السؤال معياراً لاختيار أقرب مستشاريه، فقد كان يقرب الصحابي عبدلله بن عباس «رضي الله عنه» مستحضراً سبب اختياره دون غيره: «إنه فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول».
أخيراً .. ما هو آخر سؤال عميق طرحته على نفسك؟ وكم قضيت من عمرك في حالة تساؤل؟ هل أوقدت تلك الأسئلة شرارة البحث عن ذاتك؟ عن رسالتك؟ وعن دورك وأثرك في هذا العالم؟ أم أنك استكنت لأول إجابة وجدتها في طريقك.. لتبقيك في حالة خمود وسكون.. فنحن الأسئلة التي نطرحها.. وتجاربنا هي رحلة الإجابة عنها.