د.عبد الرحمن الحبيب
العلاقات الروسية - الإسرائيلية تتحسن على خلفية الحرب السورية، كما يقول الباحث الروسي دميتري فرولوفسكي، ذاكراً أن هذه العلاقات المدعومة من جالية يهودية كبيرة في روسيا ومن المتحدثين بالروسية في إسرائيل، خالطتها الجيوسياسة بالسنوات الأخيرة؛ فاقتراب نهاية الحرب في سوريا، تجعل موسكو تفكر بتوازن القوى فيما بعدها، لأن الحلفاء الحاليين قد يصبحوا خصومًا بالمستقبل!
كيف سيصبح الحلفاء خصوماً؟ لا أحد يحكي رسمياً، لا في روسيا ولا إيران، فروسيا هي أكثر بلد يزورها نتنياهو في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك يتكتم الكرملين على المحادثات بين بوتين ونتنياهو، حتى المتحدثين الروس يتجنبون الخوض في الموقف الروسي تجاه المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا، وإذا خاضوا فيه تكلموا بلغة دبلوماسية مبهمة. فما هو مستقبل العلاقات الروسية مع إيران وإسرائيل؟
هذه العلاقات تتشابك مع علاقة روسيا مع الغرب، وأمريكا تحديداً.. إذن، لنبدأ بمعرفة ما انتهت إليه قمة هلسنكي الغامضة بين الرئيسين ترامب وبوتين التي قيل إن المسألة السورية كانت جزءاً أساسياً فيها. وزير الخارجية الأمريكي فك بعض الغموض الذي اكتنف القمة بإجاباته عن أسئلة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي.. وكان من أبرزها أن ترامب لم يكن متساهلاً تجاه روسيا، وأن العقوبات ضدها لم تتغير، والإدارة الأمريكية مستعدة لممارسة مزيد من الضغوط عليها، لكنها لا تنوي التصعيد أو التخلي عن الحوار معها، وهناك فرصة لتحسين العلاقات الثنائية، فالرئيسان اتفقا على أنهما لا يتفقان على موضوع أوكرانيا، إنما يمكنهما العمل سوياً في مجالات عدة كمكافحة الإرهاب وقطاع الأعمال التجارية.. وأن ترامب خلال اللقاء مع بوتين تطرق إلى تطوير حل سياسي في سوريا.
هذه المسألة الأخيرة هي ما يعنينا هنا.. فهل يباعد ترامب بين روسيا وإيران، أو توسيع الفجوة بينهما؟ وهنا يظهر سؤالان رئيسان: ما هي الفجوة التي يمكن توسيعها بين روسيا وإيران؟ ما هو المقابل الذي تطلبه روسيا لتبتعد عن إيران أو تقلص تحالفها معها؟
بداية، ماذا عن موقف «القيصر الروسي» بوتين بين إيران وإسرائيل؟ بوتين عبَّر في أحيان قليلة عن انزعاجه من الهجمات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، لكنه أخبر محاورين غربيين بصورة غير علنية (نقلاً عن معهد واشنطن) بأنه لا يرغب في أن تصبح سوريا «مستعمرةً فارسية». وكتب فرولوفسكي، في صحيفة آر بي كا: «على الرغم من علاقات التحالف مع طهران، تشارك موسكو سراً تل أبيب قلقها، بسبب النفوذ المفرط للقوات الإيرانية. ومع ذلك، لا يبدو أن الكرملين يعرف كثيراً كيف يمارس الضغط على إيران من دون تقويض علاقات الثقة معها.. بالنظر إلى أن روسيا ليس لديها العديد من قنوات التأثير الفعالة على القوات الإيرانية في سوريا، فإن التنسيق مع إسرائيل يمكن أن يكون وسيلة لموازنة نفوذ طهران».
وفي ذات السياق، ذكرت سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأمريكي في الإدارة السابقة، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى موسكو، قبل أيام من قمة هلسكني، وما سمعه روحاني خلالها من تطمينات، لا تعني الكثير بالنسبة للذين يعرفون أن موسكو لا تمتلك أوراقًا كافية، لإجبار إيران على مغادرة سوريا، الأمر الذي يعني، كما قالت الغارديان، أن بوتين باستطاعته أن يقايض ترامب بالسماح لواشنطن وتل أبيب خوض حرب ضد طهران، دون أن يكون الرئيس الروسي قد أخلّ بوعده لروحاني.
فثمة فجوات ظهرت مؤخراً بين روسيا وإيران عبر تنافسهما على تقاسم النفوذ في سوريا. روسيا تريد إنهاء الصراع في سوريا لقطف ثمار انتصاراتها وإرساء نفوذ طويل الأمد هناك، بينما تسعى إيران لتأكيد دورها الإقليمي في إطار مشروع أيديولوجي طائفي، واستمرار إمداد الأسلحة والأموال لوكلائها العسكريين في المنطقة خاصة لبنان.
هل يمكن فك التحالف بين روسيا وإيران عبر توسيع هذه الفجوة؟ هناك رأيان متناقضان بين الباحثين الأمريكيين. الأول يرى إمكانية ذلك رغم صعوبته: يقول مايكل ليدين، وهو أكاديمي يقدم النصح لمجلس الأمن القومي الأمريكي: «أعتقد أنه قد يكون ممكناً إذا اقتنع بوتين بأننا سنتولى أمر إيران.. أنا أشك أنه يعتقد بذلك اليوم». على نقيضه، حذر تقرير صدر لمعهد دراسات الحرب في واشنطن، أنه حتى لو عملت موسكو على النأي بنفسها عن طهران، فإنه لا يحتوي على تأثير هائل على إيران التي تملك تأثيراً قوياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في سوريا.
أخيراً، ما هو المقابل الذي يريده بوتين لفك تحالفه مع إيران أو على الأقل إضعاف هذا التحالف؟ الإجابة يمكن ترتيبها على النحو التالي: رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، تقلص انتقاد التدخلات الروسية في أوكرانيا، عرقلة التوسع في عضوية حلف شمال الأطلسي للبلدان بالقرب من الحدود الروسية، تخفيف نشاطات هذا الحلف في شرق أوروبا. لكن الأهم هو اقتناع الكرملين بأن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا سوف تتصادم في المستقبل.. وإذا كان ليس متوقعاً أن تعمل روسيا على إزاحة الوجود الإيراني من سوريا، فالمتوقع أن تمارس ضغوطاً لتحجيم نفوذها هناك.