عبدالعزيز السماري
تحولت الشفافية إلى شعار سياسي في المجتمعات الشرقية، وأصبح البعض يُطالب بها كحالة لإصلاح الواقع، وفي البحث الفلسفي في العقل، كانت أيضاً حالة الشفافية جذابة بالنسبة للكثيرين ممن يعيشون في خلاف عميق في داخلهم، حيث يحتوي كل واحد منا في داخله على معرفة متأصلة بأننا نعيش حالة ما من النفي، وفي حالة مقاومة شديدة للحقيقة المجردة من الانحياز والتأثير الجمعي..
نحن نعرف جيداً، وبشكل حدسي أن الإنسانية المجردة ضائعة في متاهات من النسيان، وعالقة في الذوات العصابية، وفي مجتمعات العنف والسلطة، وضمن ثقافات التلاعب، لذلك لا يمكن أن تطالب بشفافية في ثقافة تؤمن أنها في ضياع وانحلال إذا خرجت من حالة المنفى العقلي أو حالة حصار العقل الجمعي على العقل الفرد..
عنق الزجاجة في مسألة الشفافية هو التراجع عن حالة المنفى والعثور على ذواتنا الحقيقية في المجتمع، وبطريقة قول الحقيقة - من خلال تسمية الأشياء باسمها الصحيح، ومن ثم تعبئة رغباتنا ودمج رغباتنا في تجربة جمالية، كجزء من جهدنا الجماعي لإعادة خلق المجتمع والثقافة والطبيعة والطبيعة حتى هذه تجسد قيمنا الحقيقية من خلال ثقافة الشفافية.
المشكلة أن أزمة شفافية العقل تواجها فصول من الذاكرة والنسيان، وكلها تتضمن أشكالاً من التلاعب، وقد يكون من الصعب أن تكون شفافة عند كشف الحقيقة، ولذلك فإن مهمة النقد في العقل أو المجتمع هي تعزيز قضية الذاكرة، وذلك من أجل شفافية أكثر نفاذاً، وفي هذا السياق لا يمكن تجاوز الجهود الإنسانية التي بُذلت منذ آلاف السنين لتعزيز حقائق التجربة الإنسانية، حتى نتمكن من الانتقال إلى مستوى جديد من الحضارة.
في خضم الصراع مع الحقيقة، تبرز المقاومة للمعرفة من جميعنا، لأننا جميعًا نعيش طوعاً في حالة من الضبابية، ولذلك نحافظ على أنفسنا وعلى بعضنا البعض من خلال العيش في حالة من النسيان الجمعي، وبالتالي نعمل أيضًا سوية للهروب من المتاهة ومن خطورة إيجاد الحقائق الأساسية للحالة البشرية..
الشفافية فلسفة إنسانية مركبة، ويجب أن تبدأ أولاً داخل العقل، وذلك بتعزيز القدرة على النظر على تجاربنا الإنسانية بتجرد، فالإنسان يملك القدرة في أن يختبئ داخل غرف محكمة وغير متصلة، ولذلك عند سرد تجربته الإنسانية يتردد كثيراً في فتح بعض الأبواب، وبعضها يطويه في غياهب النسيان بلا رجعة..
وعندما نحاول تعزيز تفاصيل الذاكرة، تتحرك المقاومة بسرعة لإيقافها، وهذه المقاومة ليست فقط في شكل معارضة لكشف المعرفة التي أوجدتها دفاعات الذات والصور الداخلية لأرقام السلطة الذاتية، وكما يبدو من تجارب أولئك الذين في مواقع السلطة في المجتمعات الإنسانية، هم يحاولون التلاعب بكل دوافعنا الانهزامية في الهروب من الحقيقة، ومن رغباتنا للعيش بشكل كامل، ورؤية أشخاص آخرين يعاملون بإنصاف، والمشاركة في مجتمع جيد.
العقل الجمعي حالة متضخمة جداً من العقل الإنساني، ويعبّر عن المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة، والتي تعمل كقوة على التوحيد داخل المجتمع من خلال ترابط ذي تأثير متبادل بين العقل الجمعي والأفكار الاجتماعية في الواقع نتيجة للضغوط التي يمارسها العقل الجمعي على أفراده..، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون للشفافية مكان بين الصفوف المترابطة ضد تفاصيل الحقيقة الإنسانية ما لم تبدأ مرحلة تحرير العقل من الخوف والحذر من قول الحقيقة..