د.عبدالعزيز العمر
حقيقة الشيء - أي شيء - هي التي تكشف للباحث عن طبيعته وعن جوهره، وتخلصه في الوقت نفسه من الأوهام المرتبطة في ذهنه بذلك الشيء. والتعليم -كغيره من مناشط الحياة- له حقيقة، يعرفها التربويون المحترفون. وفي المقابل هناك أوهام وخرافات، أسهمت في خلق تصورات خاطئة في أذهان الناس عن التعليم. إن إدراكنا حقيقة التعليم سوف يشكِّل حجر الأساس لقيام نظام تعليمي فعّال. دعونا بداية نقدِّم أبرز أوجه حقيقة التعليم المتمثلة في كون التعليم -في أنصع صوره- هو إشعال أسئلة حارقة في أعماق المتعلم؛ لتكون تلك الأسئلة بمنزلة الوقود الذي يدفعه نحو البحث المستميت عن المعرفة وحقائقها. التعليم هو أيضًا استثارة لفضول المتعلم، تجعله أكثر إصرارًا ومثابرة في بحثه عن الحقيقة.
وهنا يكون التحدي الأكبر، كيف نخلق لدى الطفل فضولاً، يجعله يثير تلك الأسئلة الحارقة حول كل ما يشاهده حوله من غموض لا يفهمه؛ ليبدأ عندئذ رحلة البحث عن الأجوبة عن تلك الأسئلة. بكلمات أخرى نقول: إن حقيقة التعليم تكمن في بناء شخصية المتعلم المستقلة الذي لديه القدرة الذاتية على كسب المعرفة والمهارات. نحن نقترب من حقيقة التعليم بقدر ما ننجح في التقليل -ما أمكن- من اعتماد المتعلم على الآخرين. أما أبرز أوهام التعليم -من الجهة الأخرى- فتكمن في تصورنا أن التعليم الجيد هو التعليم الذي يجعل المتعلم مستودعًا لمعارف واسعة ولمعلومات متنوعة في كل مجال. ومن الوهم أيضًا أن نتصور أن التعليم الأفضل هو ذلك التعليم الذي يفتح أكبر عدد من المدارس، ويخرّج أكبر عدد من المعلمين؛ ليستوعب كل مَن هم في سن التعليم. ومن الوهم أيضًا أن نتصور أن زيادة الإنفاق على التعليم تؤدي إلى ارتفاع جودته.