عماد المديفر
الكثيرون شاهدوا تقرير BBC الذي جرى بثه مؤخراً، وقبله تقريرا صحيفتي الفايننشال تايمز والواشنطن بوست خلال الفترة القليلة الماضية حول دعم تنظيم الحمدين للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان تحت غطاء «الفدية» وإنقاذ الرهائن.. التي وصلت إلى آلاف الملايين من الدولارات.. خاصة فيما سُمي بـ «فدية القرن»..
لكن هذا لم يكن سوى رأس جبل الجليد فقط.. فالقليل جداً من يعي حقيقة المشهد.. حتى من بعض مسؤولي النظام القطري كسفير الدوحة في بغداد أو حتى «وزير الخارجية القطري نفسه.. فالنظام القطري في واقع الأمر نظام عصابات سري شبكي معقد.. الكثير من مسؤوليه الذين نراهم في الواجهة هم كالأطرش بالزفة.. فأمثال «وزير الخارجية» في النظام القطري كُثر..
فما رأيناه، أو ما أُريد للناس في العالم تصوره هو أنه جرى خطف مواطنين قطريين في نوفمبر 2015 من بينهم اثنان من آل ثاني، والذين كانوا في «رحلة صيد في العراق».. وأن خاطفيهم طلبوا فدية وبعض الشروط لإطلاق سراحهم.. بيد أن الواقع مختلف.
وهنا تساؤل منطقي يدور في أذهان العقلاء: ما الذي دعا هؤلاء القطريين للذهاب إلى العراق في هذا الوقت؟ وهو في عز تمدد داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى ميليشيات «البطاط» وغيره؟! والعذر أنهم ذاهبون في «رحلة صيد»! ترى ما هذا الصيد الذي سيجدوه في العراق؟!
العراقيون أنفسهم كانوا في تلك الفترة يخرجون من العراق وما كانوا ليأمنوا على أنفسهم داخل المدن.. فما بالنا في البراري؟
هذا التساؤل هو مفتاح للحقائق التي سأسردها:
الحقيقة الأولى هي أن عملية الخطف كانت حقيقية فعلاً، ولم تكن «تمثيلية» كما قد يتصور البعض.. بيد أنها تمت بتنسيق كامل من تنظيم الحمدين وفيلق القدس بقيادة الإرهابي قاسم سليماني، إذ جرى استدراج القطريين المخطوفين بعملية منظمة من الاستخبارات القطرية والإيرانية للذهاب للعراق للصيد.. وقد لا يعلم البعض أن من بين المخطوفين أو من بين المجموعة القطرية التي ذهبت للعراق للصيد عنصرين من المخابرات القطرية..
إذن عملية الاختطاف لهذه المجموعة تمت بتنسيق كامل وبشكل مخطط ومدروس..
فلماذا تقوم قطر بذلك؟
الحقيقة أن من قام بذلك ليس قطر، وإنما العقول الشيطانية الخبيثة التي تحكم قطر.. والمتمثلة بالحمدين.. حمد بن خليفة وحمد بن جاسم. والهدف من ذلك ما ذكره رئيس الوزراء العراقي السيد حيدر العبادي في تصريحه الشهير حين قال: إن ما جرى هو عملية غسيل أموال لدعم عصابات مسلحة داخل العراق بأموال مهولة تعادل، بل تزيد على ميزانيات دول..
وهذا صحيح فعلاً.. فالنظام القطري درج على تغطية دعمه للإرهاب بغطاء العمل الإنساني والمتمثل هنا في إطلاق سراح «الرهائن المختطفين»..
وسبق أن فعل هذا أيضاً مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي مقره اليمن، وكذلك مع جبهة النصرة عدة مرات، ومنها قصة تحرير راهبات معلولا على سبيل المثال، وكذلك فعل مع داعش.. فهذا الأسلوب ليس بالجديد عليه.. لكن لأن الدعم المراد إيصاله هذه المرة لقاسم سليماني وحزب الله كبير جداً، لا سيما أن الحرب في سوريا استنزفتهم كثيراً، كان لا بد من وضع مبرر منطقي لتمرير هذا الدعم أو هذه «الفدية» المليارية..
قد يسأل سائل هنا: لماذا قطر تدعم سليماني وحزب الله وفيلق القدس وغيرها من التنظيمات الإرهابية التابعة للنظام الإيراني؟
وهذا أيضاً سؤال منطقي يقودنا للحقيقة الثانية.. التي قد يجهلها الكثير.. وهي أن العلاقة بين حمد بن جاسم شخصياً، وحمد بن خليفة شخصياً، والعقل المدبر لنظام عمائم الشر والإرهاب في طهران المدعو «علي أكبر ولايتي» هي علاقة قديمة ومتينة، بل أكثر من ذلك..هي علاقة شراكة حقيقية.. غير معلوم بالضبط متى بدأت، لكن جرى رصد زيارات سرية متبادلة بين هؤلاء الثلاثة أو مندوبيهم في النصف الأخير من الثمانينيّات، وفي عز الحرب العراقية الإيرانية.. وهنا مفارقة؛ فحين كانت دول مجلس التعاون تقف إلى جانب العراق وتدعمه قولاً واحداً، إلا أنه قد يتفاجأ البعض بأن قطر - وعلى عكس شقيقاتها في مجلس التعاون - كانت هي الدولة العربية الوحيدة تقريباً باستثناء سوريا حافظ الأسد - التي تتمتع بصلات وثيقة مع نظام الثورة الإسلامية في طهران..
والحقيقة أنه بالفعل جرى رصد عدد متصاعد من الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى بين القيادات في البلدين، حتى برزت هذه الزيارات للعلن في الأول من يونيو 1987م والثاني عشر من أبريل 1988 حين زار الدوحة مرتين «علي أكبر ولايتي»، ثم أرسل نائبه إلى الدوحة مرة ثالثة بعد شهرين في زيارة سرية..
نلاحظ أيضاً أن هذه الزيارات كانت في عز استهداف الحرس الثوري الإيراني لمواسم الحج تلك الفترة، ما يعني أن قطر في الواقع تضع يدها بيد من يستهدف أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام ويستهدف أمن وسلامة المملكة، وليس فقط يستهدف العراق..
ثم تتالت الزيارات المتبادلة حتى توجت بزيارة طويلة لحمد بن خليفة نفسه إلى طهران في شتاء عام 91م استمرت عدة أيام، تم خلالها اعتماد اتفاقيات تعاون سياسية وأمنية واقتصادية مهولة.. وكان أن ضخ حمد بن خليفة -وكان حينها ولياً للعهد- ضخ مليار ونصف المليار دولار للنظام الإرهابي الإيراني تحت غطاء أو تحت ذريعة إنشاء خط أنابيب للمياه العذبة من إيران إلى قطر ويبلغ طوله 770 كيلومتراً، على اعتبار أنه سينقل المياه من بحيرة سد «شهيد عباس بور» على نهر كارون إلى قطر..
فالمليارات وصلت إلى خزينة الملالي لإنقاذهم من الأوضاع المالية المتردية وقد كانوا حينها للتو خرجوا من الحرب العراقية الإيرانية التي استهلكتهم فلعبت قطر دور المنقذ للملالي.
وما أن عاد حمد بن خليفة إلى الدوحة إلا ولحقه وزير الدفاع الإيراني إذ ذاك «أكبر تركان» فوقعا معاً اتفاقيات تعاون دفاعية عسكرية.. تلتها بعد ذلك زيارات متتابعة لافتة للدوحة قام بها نائب الرئيس الإيراني نفسه.. «حسن حبيبي» في مايو 92، وصفتها وسائل الإعلام الثورية الإيرانية بـ «نقطة التحول في العلاقات بين البلدين».. ثم بعد أيام معدودة فقط يزور عبدالله بن خليفة - وزير الداخلية حينها- طهران.. ما يوحي أن النظامين القطري والإيراني كانا يعدان العدة لأمر ما، فكانت واقعة الخفوس الشهيرة..
تلتها ببضعة أشهر، زيارة طويلة جداً ولافتة أخرى لحمد بن جاسم، استمرت أسبوعين كاملين في طهران، وبعدها مباشرة جرت عملية انقلاب حمد بن خليفة على والده، وهو الانقلاب الذي عمل عليه الحمدان مع عبدالله بن خليفة وزير الداخلية حينها، والذي تكررت زياراته هو الآخر لطهران، وقد أصبح بعد الانقلاب رئيساً لمجلس الوزراء.. وعبدالله بن خالد آل ثاني الذي تولى وزارة الداخلية بعد الانقلاب.. وهو الذي أوكلت إليه مهمة التواصل مع التنظيمات والعناصر الإرهابية كتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وخالد شيخ محمد العقل المدبر لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، إضافة إلى دعم جهات وتيارات وشخصيات أصولية واخوانية سعودية وغير سعودية.
وبدأت المعلومات تتوالى عن علاقة النظام القطري بحزب الله والحوثيين والقاعدة وحماس وغيرها، كتنظيم فتح الإسلام وجبهة النصرة. ووثائق أبوت اباد التي وجدت في وكر ابن لادن كشفت ايضا جانباً من هذه العلاقة.
ولم تكن الفدية سوى المبرر أو الغطاء الذي يقوم من خلاله النظام القطري بدعم التنظيمات الإرهابية.
وكان ضمن تلك الأهداف في المحصلة استهداف مواسم الحج في الثمانينيات مروراً بتفجيرات العليا والخبر منتصف التسعينيات ، فالحادي عشر من سبتمبر. وليس انتهاءً بما يجري اليوم..
إلى اللقاء.