د. خالد عبدالله الخميس
المتابع لنقاشات التواصل الاجتماعي وتحديداً النقاشات التويترية يجد مدى إسفاف وعقم وسذاجة كثير من تلك النقاشات، وذلك لسبب بسيط لا يرجع فقط إلى كون الداخلين في الحوار متباينين في توجهاتهم الدينية والفكرية، وإنما للفارق الشاسع في المستوى التعليمي بين من هو عالي الثقافة والجاهل المحض، وبين مراهق عمره عشر سنين وشيخ عمره سبعون سنة. أما الكاتب الصحافي فهو بغض النظر عن فكره وآرائه على مستوى مقبول من النضج والتعليم والثقافة، أضف لذلك أنه محتوى الكتابات الصحفية تخضع لتصحيح فكري ولغوي ومنهجي من الصحيفة.
ولذا يمتاز المقال الصحفي أنه مرّ بفلاتر قبل أن يقع في أيدي القراء، لكن الحال في غابات التويتر فإن الجاهل المراهق يحدث بكل صفاقة الطبقة المثقفة ويسفه أفكارهم، فيكون الحابل مختلط بالنابل، وتكون النقاشات غوغائية، ومن يملك الضجيج والأسلوب البذيء والقذف فإنه سيسيطر على مجريات أي موضوع. إن الداخل في النقاشات التويترية، مثل الذي يدخل غابة موحشة ومجهولة المعالم، لا يدري هل يقابل غزالاً وديعاً أم نمراً متوحشاً، وهل يقابل فراشات جميلة أم ثعابين سامة، وهل يقابل أنهاراً وشلالات أم أوحالاً وطيناً. في العموم، النقاشات التويترية هي سلة من بضائع متباينة في تكوينها، ما بين الخطر والقبيح والجميل والحرام والحلال وعديم الفائدة.
ولعلي هنا أن أضرب مثالاً لقالب من نموذج حواري يحاكي ما تدور حوله كثير من النقاشات التويترية في عالمنا العربي، وساستخدم اللهجة العامية في بعض العبارات كون اللغة التويترية في حقيقتها متحررة من أي معايير.
المشاركة الأصلية:
عمر: أعتقد جازماً أن (ص) هو سبب في تكوين (س).
الردود:
يزيد: مو صحيح، (ص) هو سبب تكوين (ع).
ياسر: أنت ما تفهم، هو قال إن (ص) هو سبب (س)، وما قال لك أن (ص) ما له دخل في تكوين (ع). أفهم.
يزيد: أنا اللي ما أفهم يا غشيم، ليش يذكر (س) وما ذكر (ع)، لايلبس على الآخرين.
بدر: بالفعل، أنت يا عمر صاحب هوى وأفكارك منحرفة، تحاول تخادع القراء.
سالم: هذا اللي عندكم، أي واحد ما يجيء على مزاجكم تكفرونه.
بدر: وين التكفير في الموضوع، وبعدين وش دخلك.
عدنان: كيف وش دخله، وأنت داخل عرض، وإلا مفكر أن التويتر ملك أبوك.
رجب: يا جماعة، الأمر ما يستاهل، كل ما في الموضوع أن (ص) هو السبب في (س) وأيضاً سبب في (ع).
حمد: كأنك جايب شي جديد، أنا من يوم شفت (رجب) وأنا داري أنك بتجيب العيد.
هند: من زين اسمك عاد.
عبدالله: على الأقل أزين من أسمك.
أبو القعقاع: باقية وتتمدد.
سعيد: تتمدد مين يا عمي، أنتم انقرضتوا، خلاص.
أم راشد: أنا أبيع كليجا وقرص عمر، وش يضركم لو دعمتوني بتويتة.
فيصل: يا أم الكليجا، أزعجتنا بدعاياك، كل ما أدخل نقاش إلا وألقاها مسنترة.
قاسم: خلها ترزق الله، من حالال أبوك شئي.
سعد: أقول تعلم الإملاء وبعدين رد: حلال، شيء.
طارق: أمطار غزيرة على مدينة جدة والمدينة.
سعد: جاك، هالمدرعم الثاني.
هذا القالب الحواري هو نموذج مضطرد ينطبق على كثير من محتويات النقاشات التويترية في عالمنا العربي، حيث تبدأ بفكرة أصيلة وتنتهي بالسب والقذف والتخوين والتكفير والعنصرية والإباحية والدعاية المغشوشة، وهلم جرا.
ومن هنا تُشكر الصحافة، فهي بالرغم من عدم إشباعها لحاجات القراء في كل شيء إلا أنها تحترم عقولهم، فتحافظ لحد كبير على انضباطها وأسلوب عرضها. مساؤكم صحافة أيها التويتريون.