د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
راق لي بريق الثقافة في عيون بلادي، وأيقنتُ أنه يمكننا الحصول على وضوح ثقافي ذي ثراء تعددي أوسع وأكمل من خلال استيعاب مضاعف للمشهد الثقافي الذي تتوق بلادنا إليه في استراتيجيتها الكبرى 2030؛ فقد استحدثتْ بلادنا محضناً مستقلاً جديداً للثقافة موسوماً بوزارة الثقافة؛ وكانت وصيفتها الهيئة العامة للثقافةً تجوّل في السوق من ذي قبل!
والحقيقة الماثلة أن فصل الاختصاصات بين الوزارة والهيئة ما زال غير واضح أمامنا؛ وما زلنا نبحث عن التركيز في حجرات الوزارة والهيئة العازلة للصوت، وما زلنا كذلك نتغنى وننتظر كما هو شأن ذي الرمة.
«أحبُّ المكان القفر من أجل أنني
به أتغنى باسمها غير معجم»
فوزارة الثقافة أظنها الوحيدة بين وزارات الدولة التي لن يصنعها إلا الشغف الذي يسكن في نفوس أرباب الصناعة الثقافية؛ بمعنى أن الاحتراف مطلب لمن يقف على اختصاصات تلك الوزارة الوليدة المنتظرة ولمن يُسرج خيول البدايات؛ ولمن ينسجُ برود المسير، ففضاءات المثقفين حتماً هي أصواتهم الداخلية بوصفها موئل شاعر وكاتب وصحفي ومؤلف وناقد وروائي وقاص وتشكيلي ومترجم ومسرحي وسينمائي وناشر، فلم تعد الثقافة طللا في الصحراء نهيمُ به ونتباكى عليه؛ بل أصبحت الثقافة أصداء حية لحياة الناس تنمو بكثافة مذهلة؛ فكل حضور فكري ثقافي حتما تُشرَعُ من خلاله نافذة ضوء، ليكون في بلادنا سلاسل معرفة ثقافية في كل اختصاص تلتقط الإبداع وتقدمه محلياً وخارجياً فيصبح من متكآتنا الوثيرة في مجال الثقافة يصحبه النقد الحر والتقويم القويم والمراجعة المبصرة، ونتوق للاستمرار المتدفق للثقافة المنتقاة من الشوائب التي تحترم العقل ولا تلغيه وتسهم في صناعة منابع التنمية وإثراء مصباتها؛ ونريدها ثقافة ممزوجة متواشجة «تُسقى بماء واحد» وعند عقد ألوية البدايات تبرز هنالك حاجة ملحة إلى تحويل كثير من المنجز الثقافي إلى خطاب استفتاء وتقييم للتعرف على المكتسبات الفلسفية من ذلك المنجز وتطويره والامتاح منه، فالواقع يحتم على وزارة الثقافة القيام بعدة أدوار في ذات الوقت والحال لبناء القدرات الثقافية الوليدة ورعاية جذور المبدعين وإحياء مآثرهم، وتسخير الوعي الثقافي ليكون مركباً حياتياً في كل الشئون، وتشكيل منصة متينة ثابتة في بلاد العالم الشقيقة والصديقة عبر ملحقيات بلادنا الثقافية ليقرأوا خطابنا السعودي الأثير ويستدلوا على خارطة الطريق نحو عقولنا وبلادنا وثقافتنا، ولا أرى المعارض المتنقلة ذات تأثير لإحداث المثاقفة المطلوبة مع العالم وإن كان لها وزن وذكريات، ولكن الواقع اليوم يتطلب حضارة ثقافية تراكمية، فنأمل أن تكون مرجعياتنا الثقافية قادرة على نقل الفكر الثقافي وتهيئة المناخ لإسقاطه على الصورة الذهنية لمجتمعاتنا، حيث يستند عليه الاحتكام الأول في تقييم الشعوب عامة والإنسان المعاصر خاصة، فالبيئات الإنسانية المتخلفة تعطي مؤشرات أكيدة على اعوجاج المنجز الثقافي وسطحية الإنتاج وضحالة المقومات الداعمة لاستيطان الثقافة بشكلها الاجتماعي والمادي..
وتلك حزَمٌ من دروب شتى لوزارة الثقافة الوليدة لتلبي احتياجاً أزلياً لحياة العقول، ولتؤسس لبناء الرأي السليم وتفصل بين الأعمال المتهافتة الضعيفة التي باتت تزاحم المنتج القويم في كل منصات العرض الثقافي ومؤسساته؛ فالثقافة، وإن كانت مكتسبات فردية فلا بد من متن ومتانة؛ ودعائم لتحفيز الفكر وذخائر مفضلة بدرجة عالية إذا ما صَفتْ مواردها, وأُحسن إليها ممن يقود مكوناتها!
«للنقد في ذهن المثقف صورةٌ
نفس مهذبةٌ وفكرٌ طيّع»