كثيرة من دول العالم المتقدم تضع (خططاً إستراتيجية) لتطور الدولة وتقدمها وبنائها.. وترصد لذلك الإمكانات والأموال.. وتحدد لذلك سقفاً زمنياً محدداً حسب رؤية واضحة وشاملة. ولقد تفاءل الكثيرون بتعيين سمو الأمير محمد بن سلمان وليّاً للعهد في بلادنا؛ ومصدر هذا التفاؤل أنه ذو فكر إستراتيجي يندر في زماننا هذا، خاصة في الدول النامية أو ذات الاقتصاد (الريعي) الذي يحول الدول إلى الاسترخاء اللذيذ دون التفكير في العواقب المستقبلية إذا انقطع مصدر هذا الاقتصاد.
جاء الأمير محمد بن سلمان ليضع خطة طموحة راقية جد الإنقاذ الاقتصاد من الانهيار والحفاظ على مستقبل البلاد من خطر محدق بسبب إنخفاض أسعار النفط والاعتماد على ريعه فقط في بناء المشروعات وتشغيلها والصرف على تنمية البلاد ومواطنيها.. وبدون شك فإن العالم يشهد تطوراً هائلاً في مختلف المجالات والدولة التي لا تواكب هذا التطور ستجد نفسها في آخر الركب أو مغلوب على أمرها، ورؤية 2030 جاءت من منطلق الحفاظ على مكتسباتنا وعقيدتنا وهويتنا من أن تضيع وسط الزحام وصورتنا من أن تمسحها عواصف الصراعات والثورة التكنولوجيه والعلمية والاقتصادية، إن هذه الرؤية جاءت في زمن يشهد تحديات تعصف ببلادنا من كل جانب، فهناك التحدي الخارجي المتمثل في التمدد الشيعي والفارسي والذي تقوده إيران وتعيث به خراباً في أنحاء العالم العربي.. فقد سيطرت هذه العصابة على عدد من العواصم العربية، وحاولت اختطاف صنعاء لولا الله ثم الهبة المضرية من سلمان بن عبدالعزيز بعاصفة الحزم، التي أطفأت نار المجوس التي بدأت بالتهام اليمن وحاولت صواريخها الصدئة استهداف مكة المكرمة وكل محاولاتهم تبوء بالفشل كأبرهة الأشرم الذي سحق الله جيشه العرمرم!!.
وجاءت هذه الرؤية في وسط هذه العواصف التي تعصف بكثير من البلدان عسكرياً واقتصادياً، ولكن الله منحها رجلاً حازماً ذكياً؛ يعرف كيف يضع الرؤية في مسارها الصحيح لبناء دولة حديثة ومن خلال معايشتي للخطة التنفيذية لهذه الرؤية يمكن أن تحليلها من خلال ما تحقق منذ انطلاقتها بما يلي:
أولاً: تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة
وهذا المبدأ يتضح من خلال تصريح سمو ولي العهد (لن ينجو أحد دخل في قضية فساد) وحصل ذلك من خلال حملة لا هوادة فيها للتحقيق الذي حصل مع كل المشتبه في أنهم استغلوا نفوذهم لنهب أموال الدوله سواء كانوا أمراء أو وزراء أو رجال أعمال.ز وهذا دليل على العزم الأكيد والإصرار على المضي قدماً وبشجاعة نادرة ينهزم أمامها كل الجدر الوهمية والعوائق، بل وهو بهذا يرتب أولويات رؤية 2030 عملياً ويضع عنصر الرؤية ( تعزيز مبدأ الشفافية والمحاسبة) في الأولوية رقم (1) فبدون مجتمع يتميز بالشفافية ويحاسب المفسد والمستغل لمنصبه وسلطته؛ فإن نستطيع إنجاح هذه الرؤية وهذ المبدأ قامت عليه مختلف الحضارات عبر التاريخ وتطورت وأنتجت فبدون قضاء يحاسب المستغل لسلطته ويسترد عبره ما نهبه من خزينة المال العام أو من المنافع المشتركة كالأرض المشترك نفعها بين السكان، فسيكون لدينا مجتمع يسوده الفساد المالي والإداري وذلك سيؤدي بنا للمزيد من التخلف ولن نستطيع النهوض وسنصبح أضحوكة بين الأمم!!.
ثانياً: تطوير معايير لقياس الأداء
وهو المبدأ الثاني في تطبيق رؤية 2030 الذي بدأت به مختلف الجهات فعمدت إلى وضع مقاييس وإستراتيجيات ومبادرات تعتمدها فيما بين دوائرها ومنسوبيها لقياس أدائهم، وقياس مدى إنجازهم لمهامهم فمثلاً اعتمدت (وزارة الشئون البلدية والقروية) مقاييس كمية بأشياء يمكن قياسها للتحقق من مدى الاستفادة من خدماتها ومعرفة مدى تأدية أمانات المدن والبلديات لمهامها فالطرق يتم قياسها بالطول العالمي لكل فرد وهذا شيء يمكن قياس مدى التقدم فيه بعدد السكان والطول الذي يتم تنفيذه من الطرق في المدن ويتم بناء عليه تقدير الميزانيات اللازمة لذلك واعتمادها بدلاً من التقدير العشوائي، والمرافق الترفيهية يتم قياسها بمساحاتها ونوعياتها بالمتر المسطح للفرد بالمدينة وهذه المرافق كانت سابقاً تنفذ حسب المطالبة وتوفر الموقع وهذا ما ينافي العدالة في التوزيع، ولكن الإستراتيجية المنبثقة من رؤية 2030 وضعت مقياساً عملياً يمكن الاعتماد عليه وهو قياس رضا المواطن عن المرافق البلدية ومن أهمها المرافق الترفيهية كالحدائق العامة وغيرها لتقدير الأداء وإشراك المواطن في تحديد حاجة المدن لهذه المرافق التي يختلف استخدامها من مدينة لأخرى، كما قامت الوزارة بتطوير بوابة إلكترونية (بوابة بلدي) للتقدم بطلب الخدمات البلدية كرخص البناء التي كانت تستغرق وقتا طويلا ومراجعات من المواطن وتشتت في الضوابط والمتطلبات فقامت الوزارة بإنشاء بوابة إلكترونية تمكن المواطن من خلال هاتفه الجوال من طلب رخصة البناء، أو التقدم بطلب تخطيط أراض خاصة لتحويلها لمخطط سكني وهذا الإجراء ساعد في توفر مخططات ومواقع تساهم في حل أزمة السكن، كما طورت الوزارة معايير لتقييم أداء منسوبيها وذلك بإجراء اختبارات تقيم مستواهم وقدراتهم وتضع ميزانا يعتمد عليه لترقياتهم وحوافزهم التشجيعية وهذه المعايير تعطي الموظف أهم متطلبات (هرم ماسلو) وهو الأمان الوظيفي فهو حاجه أساسيه للإنسان لكي يشعر بالعدل والأمان وبالتالي ينتج بل ويبدع بمهامه!!.
ثالثاً: العنصر الثالث الذي رأينا بداية تنفيذه هو إيجاد بديل للنفط يمكن الاعتماد عليه للإنفاق العام وتمثل ذلك بتطوير (صندوق الاستثمارات العامة) ليكون صندوقاً سيادياً عالمياً يمكن الاعتماد عليه بريع يكون بديلاً للنفط وهذه رؤية عبقرية طالما تمنيت تنفيذها فالدول التي تملك المال لابد أن توظفه بمشروع يدر عليها دخلاً يعينها في حالة انقطاع مصدر المال الأساسي بتسيير دفة التنمية، وبالطبع فإن الإنفاق العام على المشروعات وتأسيس البنية التحتية من الخدمات المجانية كالمطارات والطرق والجامعات والمستشفيات أحد هذه الجوانب، ولكن تولي (الذراع الاستثماري) للدولة وهو صندوق الإستثمارات العامه تأسيس مشروعات بنية تحتية تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة ومخاطرة من المستثمرين هي رؤية عبقرية تضمن لنا تأسيس مشروعات البنية التحتية مع ضمان إستمرارها في حالة الحاجة إلى دخل غير دخل النفط يتمثل في بقاء ملكية هذه المرافق المتطوره والمنفذه باحترافية للدولة من خلال شركات تسعى للتطوير الذاتي وتطوير مواردها المالية للإنفاق على نفسها في تشغيل هذه المرافق على مدى طويل (غير ربحي) وهو ما تحتاجه مشروعات البنية التحتية الضخمة مثل (مشروعات سكك الحديد) التي تم تأسيس شركة رائدة لها هي (شركة سار) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة فمن خلال هذه الشركه تمت المواءمة بشكل لا مثيل له وبرؤية عبقريه ثاقبة بين القطاعين العام والخاص فالقطاع الخاص لن يستطيع توفير رأس المال الضخم لبناء الشبكة وشراء القاطرات وتشغيلها فتولى (صندوق الاستثمارات العامة) تنفيذ الشبكة والتعاقد مع شركات عالمية لذلك مع بقاء الملكية، وتم بذلك بناء شبكة متقدمة لا يمكن تنفيذها إلا في دول متطورة تدر فيها مثل هذه الشبكة دخلاً كبيراً ولكن الدولة تحملت إنشاء البنية التحتية التي لا يمكن القيام بها من خلال القطاع الخاص لعدم جدواها الاقتصادية، ووفرت لنا شبكة متقدمة سهلت الإنتقال بين مدن المملكة الكبرى كمكة والمدينة، والرياض والقصيم، وقلصت من الإنفاق على تنفيذ الطرق ووفرت آلاف الوظائف وهذا هو الإستثمار الرائد لأموال النفط والذي يمكن أن يكون لنا مصدراً بديلاً للنفط في حالة نضوبه (شركات عملاقة للخدمات تجمع بين القطاع العام والخاص)!!.
ومؤخراً جاءت الخطة الطموحة لتأسيس (شركة للطاقة الشمسية) ضمن الرؤية النادرة لسموه لندخل في عصر جديد هو عصر الطاقة الشمسية المستدامة بدلاً من عصر النفط الناضب، وتوفير 200 جيجاوات من الكهرباء سيجعل منا دولة تتربع على كرسي الطاقة العالمي مثل ماكنا مع النفط فهذا الحجم يجعل منا دولة مصدرة للطاقة، وذلك بفضل من الله ونعمه التي لا تحصى ومنها ما وهب الله هذه البلاد من ثروات، ومن قادة أفذاذ كالأمير محمد بن سلمان الذي يقود وطننا بعزم لا يلين نحو عصر جديد غير عصر النفط.
فبمثل هذا الفكر الخلاق تتطور الأمم، وبمثل هذه الرؤى نخطو نحو الأمام.. فلله در محمد بن سلمان ولله در هذا الفكر وأقول كما قال المتنبي:
ولكن تفوق الناس رأياً وحكمة
كما فقتهم حالاً ونفساً ومحتدا
يدق على الأفكار ما أنت فاعل
فيترك ما يخفى ويؤخذ ما بدا