من البديهي والأمر غير المستغرب أن يُسأل الشخص عن اسمه، لأي غرض وفي أي ظرف مكاني أو زماني، وليس هنالك أية ردود أفعال أو اعتراض لأن الأمر ببساطة وبكل أريحية وضع طبيعي واعتيادي مهما يختلف المسوق له.
لكن أن يُسأل الشخص (الرجل): هل أنت (ذكر) أم (أنثى)..؟ وهو بكل مقوماته الرجولية الظاهرية والباطنية، هنا تربض الناقة ويظهر الاستغراب وفي نفس الوقت يتولد الاشمئزاز ..! طبعاً هذا الطرح ليس حكاية أو قصة أبدعها قاص وسردها بتكنيكٍ من نسيج خياله، بل حادثة حقيقية كما أن حقيقة الماء بأنه ماء، قصة تحركت أبطالها وركضت على بساط الواقع في أحد المراكز الصحية المتخصصة، شاهدتها بنفسي وترددت أصداؤها في مسامعي وتخيلت مشاهدها مرات عديدة.. الحكاية بأسلوب مكثف وغير مرمز، بعيداً عن الحكائية والسرد المطول؛ هي أن موظفة الاستقبال في ذلك المركز وجهت السؤال السابق لأحد الأشخاص الذين أمامها وسط ازدحام من المراجعين، والذي وقف في صمتٍ برهة من الزمن.!! ربما ردة الفعل والجواب الذي يصدر منا بشكل فضولي وبطريقة تلقائية حينما نسمع الحكاية نتصور أن هذا الشخص (يتبنت) في سلوكياته، وتظهر شخصيته أمام الآخرين وكأنه (أنثى) بتمايعه في حركاته وحديثه ونظراته ولبسه وبقية تصرفاته مما دعا الفتاة الموظفة بسؤاله بهكذا سؤال .. لكن الأمر وتحت الإضاءة القوية المنبعثة أشعتها من سقف المستشفى ليس الأمر هكذا..!!
إذن ما المسوق الذي جعل من موظفة المركز ذات العباءة الضيقة والمزركشة وذات المكياج الصارخ، أن تسأله بهذه ( اللباقة )..؟!! لن أطيل شريط الحكاية ولن أسرد طويلاً في أحداثها؛ فالحكاية بشكل مكثف أن الزول (الرجل) اسمه (بشرى) ، وأعتقد إلى هنا وصلنا إلى جوهر الحكاية، ولكن هل هذا يعطي مبرراً للفتاة وأمام جمهور من المراجعين وبنبرة جادة بعيدة عن الفكاهة والنكتة أن تقل له هل أنت رجل أم أنثى..؟! أين لباقة التعامل مع الآخر؟ أين أخلاقية المهنة؟ أين الابتسامة ولو المصطنعة..؟ ربما تتباين ردود الأفعال بين من يعطي التبرير الوردي والأرضية الخضراء تحت مظلة (المزحة)، ورؤية تحمل ذلك الشخص ضريبة لاسمه ، ومن لا يقبل المبرر مهما تكن دواعيه ودوافعه.
عموماً هذه ليست مقدمة وتمهيداً لموضوع متعمق في أهمية اختيار الاسم المناسب واللائق للشخص أو المكان أو الزمان، لا .. ولا يفهم أيضاً من هذه المقدمة إنني سأتحدث عن أهمية اختيار الاسم، لا.. بل أريد أن أفرش جناحي وأدفع برأسي للأمام وأقول أن الاسم هو رمز وعلامة ذات قيمة لإعلام عن شيء ما، لكي يكون معروفاً للأطراف الأخرى، لذا يتوجب اختياره للغرض الذي يحمل هذه الفلسفة؛ وهذا يعني ليس من حقي أن أصف اللون الأخضر بأنه أحمر مهما تكن الأسباب والدوافع، نعم ربما يختلط الأمر بين الألوان القريبة والمتداخلة في درجاتها ومكوناتها كاللون الوردي والأحمر والرمادي والأسود والأصفر والبرتقالي مثلاً، لسوء التقدير وعدم دقة الملاحظة والتركيز ولكن لا يليق أن أصف أو أسمي اللون الأبيض أسود ، لكون الفارق بينهما كبيراً جداً، ولا مقارنة بينهما إطلاقاً.. تبقى رمزية الاسم لها دلالات واضحة ومفتوحة، لكنها محددة تحت فلسفة معينة، ويبقى جمال الأسماء في موافقتها الحقيقية للفلسفة الثقافية من مجتمع لآخر وتبادل صوتيتها ونعومة أو خشونة نبرتها وما يغطيها من ألوان حارة أو باردة، بغض النظر عن موسيقيتها وتداخل وتناغم حروفها، بعيداً أو قريباً من خيمة الاستثناءات ونظرية الشواذ ..!!
** **
- حسن علي البطران
albatran151@gmail.com