لم يَرِد الفعل (احترمَ) في نحو قولهم: «احترم فلانٌ فلانًا يحترمُهُ احترامًا فهو محترم» في معاجمنا القديمة إلى التاج، وكان هذا الفعل معروفا في القرون الوسطى على الأقل، فقد استعمله الزمخشري في أساس البلاغة وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والفيروزي في القاموس وابن معصوم في الطراز وصاحب التاج لكن في غير جذره، إذ يرد في سياق شرحهم اللغوي لجذور مختلفة، ولا أدري إن كان قديما أو مولّدًا.
وما يرد في أساليب المعجميّين الكبار يستحقّ أن يُمعجم، مولدًا على الأقلّ، فهم أصحاب صنعة ولغتهم عالية، وهذا منهج يراه بعض الباحثين كالدكتور محمد حسن جبل في المستدرك على اللسان والتاج، ولكن هذا الفعل (احترم) فاته هو أيضًا، فلم يذكره في المستدرك مع أنه ورد في مصدريه، ودونته المعاجم الحديثة كأقرب الموراد ومتن اللغة لأحمد رضا والمعجم الوسيط لمجمع القاهرة.
وجاء الفعل (احترمه) في شاهد عبّاسيّ وفي أساليبَ لبعض اللغويين والمعجميين، ومن ذلك أنّ أبا الفرج الأصفهاني روى في الأغاني ( ) قول محمد بن حازم الباهلي ت 215هـ:
تَهِرُّ على الجليسِ بلا احترامٍ لتحشمه إذا حضر الطعام
إذا ما كانت الهِمَمُ المَعَالي فهَمُّك ما يكون به المَلامُ
وقال الزمخشري (ت 538هـ) في مادة (ملح) من أساس البلاغة: «الملح يؤنث، وقيل: الملح: الحرمة وإن معناه أنه يحترمُك ما دام جالساً معك، فإذا قام عنك رفض الحرمة»( ).
وقال ابن الشجريّ (ت 542هـ) في الأمالي: «ولولا إيجاب حقّ من أوجبت حقّه، والتزمت وفاقه، واحترمت خطابه، لصنت خطّي ولفظي عن مجاورة خطّه ولفظه»( ).
وقال ابن الجوزي (ت 597هـ): «نَهَى أَن يقْعد عَلَى القَبْر، ظاهِره الجلوس، لاحترام المَيِّت»( ).
وقال ابن الأثير الجزري (ت 606هـ): «وإنّما أمَرَه بالخَلع احْتِرَامًا للمَقابِر»( ).
وقال الفيومي (ت 770هـ) في المصباح المنير مادة (حرم) «والْحُرْمَةُ بِالضَّمِّ مَا لا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ وَالْحُرْمَةُ الْمَهَابَةُ وَهَذِهِ اسْمٌ مِنْ الاحْتِرَامِ مِثْلُ: الْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ وَالْجَمْعُ حُرُمَاتٌ»( ).
وفي الطراز لابن معصوم المدني (ت 1119هـ) مادة (سدد): «وتركِ ما يَجبُ عليهم من احترامِهِ وتوقيرِهِ»( ).
وفي التاج للزّبيدي (ت 1205هـ): «حَرَّةُ شَوْرَانَ: من حِرَارِ الحِجَازِ السّتِّ المُحْتَرمَة»( )، و«ومَكان مُذَمَّم؛ أَي: مُحْتَرم لَهُ ذِمَّة وحُرْمة»( ).
وزيادة على ما تقدم وردت كلمة (احترام) بهذا المعنى في عدد من أساليب العلماء القدماء من المفسرين وشراح الحديث وأصحاب السير والتاريخ والأدب مما لا يُحصى عدّهم، فيمكن تفصيح الفعل (احترم) ومشتقاته كالمصدر (احترام) واسم الفاعل (محترِم) واسم المفعول (مُحترَم) لصلته بأصل معنى مادته، وأرى أنه مما ينبغي أن يُمعجم مولّدًا ما لم يثبت بنص من عصور الاحتجاج.
** **
عبدالرزاق الصاعدي - المدينة المنورة