سمر المقرن
أكثر مشاعر إيجابية يستمتع بها الإنسان هي تمتعه بالصداقة. أقصد هنا الصداقة بمفهومها النبيل والسامي الذي يعلو على ويتجاوز حدود النفعية وأهداف المصالح المؤقتة إلى ما هو أبعد وأجمل محفوفًا بقيمة الصدق الدائم في كل المواقف؛ ليشعر الإنسان بقيمة الحياة، وأن بجانبه مَن يشاركه هذا المشوار بجميع وجوهه الجميلة والمؤلمة، وصولاً لخلق حالة من التكامل بين الصديقَيْن. وكما جعل أفلاطون أساس هذه العلاقة هو «التكامل»، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن تنشأ هذه العلاقة بين شخصَيْن متشابهَيْن في جميع الصفات أو الظروف، ولا بين شخصَيْن متنافرَيْن، إنما جاء من الوسط لخلق حالة التكامل. فيما جاءت هذه العلاقة - من وجهة نظر أرسطو - أنها أساس الحياة الهانئة. وهذه نماذج من بعض الفلاسفة؛ إذ جاءت الصداقة الأكثر تحليلاً ووصفًا لدى الفلاسفة، وأخذت اهتمامًا واسعًا حتى قررت الأمم المتحدة منذ العام 2011م أن يكون يوم 30 يوليو من كل عام يومًا دوليًّا للصداقة؛ لما لها من ارتباط بالسلام واللاعنف من أجل أطفال العالم.
هذه العلاقة الإنسانية الوثيقة والمهمة في حياتنا صارت اليوم سطحية للغاية، بمعنى أن مجرد تعارف شخصَيْن، حتى لو كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من السهل وصفه بـ «الصديق»، بينما لو تأملنا في هذه العلاقة سوف نفكر كثيرًا في أن هذه المرتبة العالية لا يفترض أن يصل لها أي إنسان دون أن يتصف حقيقة بمواصفات الصديق. قد تكون كلمة عابرة تستخدم في بعض المواقف؛ لما فيها من اللباقة والكياسة في التعامل مع الآخرين، بينما الصداقة في حقيقتها حالة إنسانية متكاملة في الترابط بين البشر، ولا تبنى إلا على أساس الاحترام. وأقصد هنا الاحترام بكل جوانبه، وليس في طريقة التعامل أو الحديث فقط، بل جذور هذه العلاقة تبدأ وتنمو من احترام الطرفَيْن لبعضهما، وعدم التجاوز على حرية الآخر، أو محاولة الوصول إلى اعتباره جزءًا من أملاكه.. وهنا تنتهي الصداقة تمامًا، بل أي علاقة أخرى ترتفع فيها حدة التعدي على الطرف الآخر ومحاولة امتلاكه تنتهي أو تفشل حتى لو كانت علاقة الأم بابنها.
العلاقات الإنسانية في ماهيتها غاية في التعقيد.. والوصول إلى مراتب سامية ونقية في العلاقات يتطلب منا حالة من الوعي تجاه هذا الشريك الإنساني؛ حتى نحافظ عليه، ويبقى مدى الحياة.. فما أجملها من علاقة، وما أوجعها من خسارة!