محمد آل الشيخ
لدي قناعة أن من أسباب، وليس السبب الوحيد بالطبع، أن تفشي البطالة في المملكة يعود إلى الإجراءات الحكومية المعقدة والطويلة، وتغيرها باستمرار. فمن المعروف أن المنشآت التجارية الصغيرة والمتوسطة، تمتص ما يوازي من 60 إلى 70-% من الأيدي العاملة في الأسواق ذات الاقتصاد الحر، مثل مجتمعنا؛ ومن يحاول أن يرصد طريقة وأسلوب إصدار التراخيص والفسوحات الحكومية، يجد أنها تدور وتحور بين توجهين، فإما أن تكون معقدة، وذات متطلبات يمكن تجاوزها، أو أنها إجراءات متغيرة باستمرار وغير مستقرة، فإذا تغير المسؤول الحكومي مثلا، أو اتضح وجود ثغرات في إجراءات التراخيص ولو كانت ذات احتمال بعيد، يلجأ المسؤول إلى تعقيدها، وإضافة شروط إضافية، تكون في الغالب تعسفية إلى حد بعيد، متذرعًا بمنع هذه التجاوزات، الأمر الذي يُضيّق على المستثمرين الجدد لينعكس على تقليص استثماراتهم أو توسعاتهم، وبالتالي يصبح إسهام المنشآت الصغيرة أو المتوسطة، في امتصاص البطالة ليس كما ينبغي. والمفروض أن يتم التسهيل على المستثمر قدر الإمكان، وعندما يستغل أي مستثمر هذه التسهيلات تكون العقوبة الجزائية رادعًا وقاسيًا، ولا رحمة فيها. أما أن تتعامل بفكرة (باب يجيك منه ريح سده واستريح) ابتداء فمن شأن هذا التشدد في نهاية المطاف ليس منع الريح فحسب، وإنما الهواء أيضا، فلا يتنفس الإنسان. والدول المنفتحة المتحضرة، لا يفترض المشرعون، ومن يصدروا التعليمات، سوء النية ابتداءً، ولكنهم يتساهلون في البداية ويردعون بقوة المخالفين. خذ مثلا عربات التغذية الجاهزة التي انتشرت مؤخرا في الشوارع والأماكن العامة، وهي كفيلة بتقديم خدمات، دون تكاليف باهظة، كالإيجارات مثلا؛ أصحاب هذه (التركات) كما بلغني يعانون من قرارات البلدية المتعسفة في التعامل معهم والشروط القاسية في متطلبات التراخيص لهذا النوع من الخدمات، بالشكل الذي ضيق على كثير من الشباب العاملين في هذا المجال، وجعلهم يتخلون عنها، وينضمون إلى طوابير البطالة، وكان من المفروض تسهيل، بل وتشحيع هذه الفئة من الشباب، وتذليل الصعوبات التي تواجههم، بدلا من مضايقتهم وملاحقتهم حسب (مزاج) مراقب البلدية؛ المهم يجب أن ندرك أن امتصاص البطالة ليس بفرض توظيف السعوديين كإجراء، حتى وإن أدت إلى خلق نوع من أنواع (البطالة المقنعة)، وإنما بالتساهل قدر الإمكان في إجراءات التراخيص والفسوحات للمنشآت الصغيرة، كما يجب محاسبة الموف الحكومي الذي يمنع ويُعقد مثل معاقبة الموظف الحكومي المستهتر والمتسيب، لأن ضرر الأول على البلد، وتضييق السماح للشباب بالبحث عن رزقه حسب إمكانياته وقدراته، يوازي من في المحصلة الموظف المهمل والمتسيب، خاصة وأن قطاعًا كبيرًا من الموظفين الحكوميين، يجدون أن التعقيد (منجاة)، فلا يحاسبون إذا عقدوا وتعسفوا في إصدار التراخيص، بينما المتسامح قد يُعاقب في الغالب، وهذا لا ينطبق على جهة حكومية بعينها، وإنما على أغلب الجهات بلا استثناء للأسف.
وختاما أقول وأكرر، وسبق أن كتبت عن ذلك مرارًا وتكرارًا، إذا لم تشجع الدولة إنشاء المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فلن نستطيع أن نحاصر تفشي البطالة التي هي الآن تنتشر، وستنتشر أكثر مع تزايد عدد السكان في المملكة سنة بعد سنة.
إلى اللقاء