محمد المنيف
لا يمكن الاختلاف على أن الله كفل الحرية لكل البشر، لكنها حرية منوطة ومعقودة نواصيها بالمبادئ الدينية والقوانين بناء على القيم والعادات والتقاليد؛ ولهذا لا يحق لأي منا أن يتجاوزها بما يؤدي إلى سلوك خاطئ، ينتج عنه عبثية تصل إلى إحداث تغيير في المفاهيم، وبعثرة العلاقات المجتمعية، والتشكيك فيها أو خدشها.
وكلما سار الفرد بحريته التي كفلت له ضمن الحدود فسيحقق أهدافه، ويضمن حقوقه في كل أمور حياته، وفي كل ما يتعلق بأي فعل إنساني، ومنها ما يستجد فيما تتطلبه الحرية الفردية عند التعبير بسبل موجهة للمجتمع بما يقدم من خلالها من أعمال، تصبح أمام نظر وسمع المتلقي من المختصين النخب أو (العامة). والعامة هنا هم أكثر من يتأثر بما يُطرح من فكر بأي وسيلة من وسائل التعبير، قلمًا كان أو إبداع فنان أو ما يسمعه من شعر أو رواية، أو يشاهده في مسرحية.. فيقبل ما يوافق مبادئه، ويندرج ضمن قوانين وأنظمة مجتمعه، ويرفض ما تنفر منه نفسه المجبولة على احترام الآخر، ولا تنسجم مع مبادئه وقيمه الدينية في مجتمعه.
وبما أن الفنان التشكيلي يحمل رسالة إلى مجتمعه فعليه أن يعي حدود الحرية التي تُمنح له دينيًّا واجتماعيًّا؛ ليتعامل بها في إبداعه دون مصادمة أو خسران لجمهوره ومحيطه؛ فقد ظهرت الكثير من التوجهات في محيطنا التشكيلي المحلي وإن كانت قليلة إلا أنها مؤشر إلى تبعية مقيتة لمفهوم حرية التعبير، يسعى من يقودها إلى جذب الأجيال الشابة مغلفين تلك الحرية بالحداثة التي تعتمد على حرية التعبير؛ فقد تلقيت خلال عملي في إدارة جمعية التشكيليين العديد من الرسائل المتضمنة أعمالاً فنية ما بين نحت أو رسم، لا يمكن قبولها في مجتمع محافظ، يسأل أصحابها عن إمكانية النشر أو العرض لشباب ما زالوا في بداية خطواتهم نحو التعامل مع المجتمع والمتلقي.. قليل منهم يعي علاقة إبداعهم بحدود الحرية ومعناها ومعنى الذوق العام.. وجهل أن العمل الفني يصبح في دائرة تأويل المشاهد، وخصوصًا إذا كان يحمل إشارات أو تلميحات، منها ما يمكن كشف خفاياه إن كانت سياسية أو دينية أو مستفزة للمجتمع، ويسعى إلى نشرها أحيانًا خارج الوطن؛ وهو ما يحدث فهمًا خاطئًا عن التزام الفنان التشكيلي السعودي بسمعة وطنه.