د.علي القرني
ماذا يحدث لو توقفت صحفنا الورقية بشكل نهائي؟
كان هذا هو موضوع مقال الأسبوع الماضي، والذي أثار الكثير من الجدل في تويتر تحديدا، وكنت أنا والكثير من الذين تفاعلوا - مشكورين - على مستويين مختلفين من التحليل، وهذا ما سبب ارتباكا في فهم المقصود أساسا من المقال. والمستويان اللذان تموضعنا فيهما، كوني كنت أنطلق من تحليل سيسيولوجي (إستراتيجي) لمثل هذه الظاهرة التي قد تحدث في مجتمعنا العربي السعودي، أما المستوى الآخر الذي انطلق منه الزملاء والزميلات في شبكات التواصل الاجتماعي فكان من واقع ميداني بحت، متلبسين بفكرة أن توقف الصحف الورقية في طريقها للزوال عاجلاً أو آجلاً وفق منحنيات التوزيع المتراجعة في صحف كثير من دول العالم، بما فيها صحفنا الورقية.
ولم أنكر أن الصحف الورقية في أزمة بدرجات متفاوتة في مجتمعنا، وكان هذا سبب المقال، ولكن أضفت إلى أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدي إلى توقف، وهذا التوقف يعني توقف وظيفة محورية من وظائف المجتمع وتعطل رسالة من رسالات الإعلام. ومحور الموضوع أن الصحف الورقية هي صوت المواطن، فإذا توقف هذا الصوت لا يوجد بديل حقيقي لهذا الصوت:
1. لكون المؤسسات الصحافية مثّلت على مدى عقود قوةً داعمة للمسيرة التنموية، بما تعكسه من تغطية نوعية للحدث الوطني، ولما تحمله من أقلام النخبة من الكتاب الصحافيين الذين يضعون الأحداث والموضوعات في سياقات وطنية عليا. وهي أقل رسمية من قنوات الإذاعة والتلفزيون، حيث يوجد تنافر تقليدي بين الرسمية وبين المصداقية لوسائل الإعلام المرئي والمسموع. وتقع الصحف في درجة وسطى بين الرسمي والخاص.
2. تعمل المؤسسات الصحافية لتكون صوت المواطن المسموع بما تعكسه من هموم وقضايا مجتمعية، وهذه الوظيفة أدركها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله عندما قال للصحافة «رحم الله من أهدى لي عيوبي» قاصدا الأجهزة التنفيذية للدولة. والصحافة تقوم بدور مهني كبير في هذا الجانب. كما أن مصداقيتها أكبر من مصداقيات الوسائل الأخرى، ناهيك عن شبكات التواصل الاجتماعي.
3. تعاني المجتمعات في كل أنحاء العالم من انفلات غير مسيطر عليه من مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث يمثل الفرد - أيا كان هذا الفرد - مؤسسة إعلامية مستقلة بذاته، لأنه يبث رسائل إعلامية الى الجمهور، ولكن تفتقد هذه المضامين المصداقية. وهناك جدل واسع في العالم حول مصداقية ما ينشر ويبث في الإنترنت، وتحاول حاليا بعض شبكات التواصل الاجتماعي أن توجد آليات تقنية فنية لفرز الأخبار غير الموثوقة، وبالتالي إيقاف تداولها.
4. الصحافة الإلكترونية لن تكون بديلاً للصحافة الورقية لا هنا في المملكة ولا حتى في بريطانيا وفرنسا وكندا والولايات المتحدة رغم التقدم الكبير في تطوير هذه الوسائل في المجتمعات المتقدمة، ولهذا فمن يعول على الصحافة الإلكترونية فقد يخسر الرهان الوطني. وتظل مثل الصحف مكملة لمنظومة الإعلام ولكن لن تكون بديلا عنها.
وأخيرا، هناك مسألة مهمة عميقة في موضوع توقف الصحافة الورقية، وهي أن الوضع الحالي تقدم فيه الصحافة الورقية أجندة وطنية لجمهور القراء، وكذلك لجمهور الإنترنت (مواقع وشبكات)، أي أنها تؤطر لما يتم التداول عنه خلال أربع وعشرين ساعة في شبكات التواصل الاجتماعي، بمعني أن معظم - وهذا واقع - ما يتم تداوله في تويتر وسناب وواتساب وانستقرام وفيسبوك وغيرها ليست إلا ردة فعل لما تنشره الصحافة الورقية. وهذا نجاح مهم جدا في تحديد أولويات الجمهور، فإذا غابت هذه الصحف يحدث ارتباكا كبيرا في المشهد الوطني، حيث تتولد أجندات أخرى تفرض نفسها على الجمهور. وأخيرا أتفق مع من ذكر في إطار مناقشة هذا الموضوع أن الصحف لم تتغير بعد الأزمة وباقية على وضعيتها التحريرية والإخراجية، ولا توجد مبادرات نوعية في إعادة هيكلة المضمون والشكل بطريقة تنافسية مع باقي وسائل الإعلام والاتصال بما فيها المواقع والصحف الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.