عبدالعزيز السماري
عندما نتناول الكراهية فإننا نتحدث عن تاريخ الإنسان وصراعاته، فقد كانت ولا زالت الوسيط الذي تتواصل من خلاله فلسفة الصراع في العالم، فأغلب الانقلابات والثورات والحركات الطائفية قامت على إستراتيجية الكراهية للآخر من أجل مزيد من رص الصفوف ضد المنافس.
وفقًا لعلم فسيولوجيا نيتشه الفلسفي، فإن الكراهية أكبر حيث يكون النضال ومقاومة الاستيعاب أكبر؛ على أن تكون بين القوى متساوية، كما أن الكراهية تتميز عن مشاعر الاشمئزاز والازدراء، حيث إنها مرتبطة بعملية الفرز، وما هو أكثر من ذلك، حيث إن الكراهية الحقيقية تعمل على توحيد الصفوف في علاقات الصراع..
عندما نتأنى في سماع الوعاظ في قضية الصراع الطائفي الشيعي السني على سبيل المثال، سنكتشف قوة هائلة من مشاعر الكراهية المتبادلة بين الطرفين، وهي بمنزلة الوقود الذي يشحن الأتباع والعوام ضد الطرف الآخر، وتتساوى في الطاقة المبذولة، لكنها تختلف في الاتجاه...
تختلف درجات الكراهية باختلاف الأفراد، ويستخدمها البعض لتحديد علاقاته بالآخرين، وقد تكون جزءًا من متعة عند البعض تماماً مثل علاقات الحب، وعادة تبرزها أكثر تلك المواقف المبنية على أسس دينية أو عرقية، وذلك لتعزيز درجة الإيمان بمشاعر الكراهية عند البوح بها.
الكراهية بنية أساسية في الأخلاق الدينية، فالديانات الثلاث تشجعها عند توجيه الخطاب ضد الآخر الذي لا يؤمن بالقيم التي يدعو لها الدين، ولهذا ينتصر نيتشه للكراهية الخلاقة كما يطلق عليها، وليس لأخلاق العبيد، وكان قد كشف عن جوهرها المدمر في «الانتقام الخيالي» الذي يحط من قدر المنافس النبيل..، ويرى بضرورة الكراهية والصراع من أجل أهداف أسمى..
كشف علم البيولوجيا العصبية عن دراسة في العام الماضي، قامت على فحص أدمغة 17 شخصاً بالغاً وهم ينظرون إلى صور شخص يدعي أنه يكرهه، وظهر أن بعض المناطق في الفص الأمامي للدفاع، والبوتامين الأيمن تنشط خلال إفراز مشاعر الكراهية، ويشير الباحثون إلى أنها تمثل أجزاء من ما يسمى «دائرة الكراهية»، والتي قد تؤدي إلى الشروع في سلوك عدواني مبني على الكراهية..
لكن المدهش علمياً أن بعض القواسم المشتركة في هذه الدائرة العصبية للكراهية تشترك مع الحب في صورة متشابهة، حيث تشير الدراسات العلمية أن بعض مناطق الدماغ التي يتم تنشيطها من قبل الكراهية الفردية هي نفسها تلك التي تنشط في الحب الرومانسي، وهو ما يعني أن الحب علمياً هو الوجه الآخر للكراهية..