سمر المقرن
لم تأتِ وصية الرسول عليه الصلاة والسلام عبثاً، عندما شدَّد على ضرورة اختيار الأم الصالحة، وأضيف عليها كذلك اختيار الأب الصالح. تذكّرت أحاديثه عليه الصلاة السلام وأنا أتابع ذلك المشهد الجنوني - الذي لم أتمكن من إكماله- لأم تقوم بتعنيف طفلتيها التوأم ليس لأي ذنبٍ اقترفتاه كونهما في سن المهد، إنما لعلة نفسية مصابة بها الأم غير السوية، والتي كان من المفترض ألا تتزوج وتنجب قبل أن تتعالج نفسياً.
بنظري، أن الإنسان الذي يقوم بتعنيف إنسان آخر هو - بلا أدنى شك - مصاب بعلل نفسية، إذا ما استثنينا بعض الإرهاصات الثقافية التي كانت تقوم على أن التأديب لا بد أن يكون بالضرب سواء تأديب الطفل أو تأديب الزوجة، لكننا اليوم نتغيّر كثيراً والوعي بدأ يطمس مثل هذه الأفكار السلبية، لتبقى في المستقبل القريب ممارسة العنف - حكراً- على المرضى النفسانيين!
في الواقعة ذاتها، قرأت مقابلة مع والد الطفلتين، يوضح فيها أن الأم التي انفصل عنها كان لها تصرفات غريبة ومحاولات انتحار، والذي أستغربه هنا كيف استطاع الأب ترك الطفلتين مع أم غير مسؤولة؟ وأرى هنا الإهمال الجسيم والتقصير الواضح من قبل والد الطفلتين، بل وأنانية واضحة، حيث لاذ بالفرار من هذه الزوجة وترك الطفلتين ليس لذنب اقترفتاه سوى أنهما ولدا في هذه الظروف. أضف إلى ذلك، أن الأم المريضة ليس عليها حرج كونها مصابة بمرض نفسي يدفعها لإيذاء نفسها ومن حولها، إنما المسؤولية تقع على من كان لديه علم بمرض الأم وترك الطفلتين معها!
أتصور أن هذا بحد ذاته يحتاج إلى جهود الخبراء من جهة وإلى تكاتف أقارب الأم والأب لبقاء الطفلتين في بيئة آمنة بعيداً عن التعنيف والإهمال.
كل يوم تظهر لنا حالات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تُدمي القلب، ومثل هذه القضايا تعطينا مؤشرات هامة لضرورة إدراج الكشف النفسي ضمن قائمة فحوصات ما قبل الزواج، فكم من عروس راحت ضحية زوج مريض نفسياً، وكذلك العكس، والأدهى والأمر عندما يأتي الأطفال، وهؤلاء هم بحاجة للأمان والتنشئة السوية في ظل مثل هذه الحوادث المحبطة التي تحث على إيجاد فحوصات متكاملة تضمن سلامة الجيل القادم من التعرّض لمثل هذه الأحداث.