يوسف المحيميد
جهتان مختصان بأمر الثقافة في هذا الوطن، الوزارة والهيئة، ورغم عدم وضوح فصل الاختصاصات بينهما، وماهية الثقافة التي تسعيان إلى تحقيقها، وعدم تحديد الجمهور المستهدف لهما، إذا اقتنعنا أن الثقافة خدمة، مثلها كمثل التعليم والصحة وما شابه، إلا أن العمل الجاد والسريع، وظهور النتائج لذلك أمر في غاية الأهمية، سواء لدى المثقفين أو عامة المستفيدين من خدمات الوزارة والهيئة.
أن تحب الثقافة ومجالاتها يعني أنك ستعمل ليس كموظف حكومة، وإنما كمواطن ومثقف وإداري شغوف بعمله، وهذا ما يحقق النجاح لخطوات الوزارة المنتظرة.
على الوزارة أن تتخلّص من الموظفين الحكوميين الباحثين عن الصعود في السلم الوظيفي، وتستبدلهم بمن يحترقون لأجل أن تضيء منارات الثقافة والإبداع، ففي مصر على سبيل المثال، وخصوصاً قبل الثورة، لم يستلم إدارة دفة الثقافة إلا مثقفون ومبدعون، كل واحد منهم في مجاله، فلم يصنع منجز المركز القومي للترجمة إلا مثقفاً بقامة جابر عصفور، ولم تحقق سلسلة آفاق عربية نجاحاً وانتشاراً كبيراً، ضم معظم المبدعين العرب من شعراء وكتَّاب قصة وروائيين، لولا أن أشرف عليها روائي بقامة الراحل إبراهيم أصلان، وغيرهما من سلاسل الهيئة المصرية للكتاب، وسلاسل قصور الثقافة، وغيرهما، وعلى مستوى دول الجوار، في الكويت مثلاً، من منا لا يعرف سلسلة عالم المعرفة، تلك التي قدّمت أهم الكتب المختصة، وسلسلة المسرح العالمي، التي ترجمت فيها أهم الأعمال المسرحية العالمية، وكلها تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولو نظرنا في حالنا لن نجد منجزاً في مجال النشر يجعلنا نعتد به، ولا يظن أحد أن هذا العصر الرقمي، وزمن التواصل الاجتماعي، وليس الكتاب، فالكتاب موجود منذ الكتابة على الرّق والبردى وما قبلهما، وسيبقى ورقياً أو إلكترونياً أو ما يستجد من اختراعات، لأن محتواه هو الأهم، ولن تحقق كل خطواتنا المنتظرة في الثقافة، سواء في السينما أو المسرح أو الفنون البصرية والمرئية تطوراً لافتاً، ما لم يكن الكتاب أولا، وعلى رأس اهتمامات وزارة الثقافة وهيئتها.
هل نحن بحاجة إلى مجلس وطني، أو مجلس أعلى، للثقافة والآداب والفنون؟ أم نحن بحاجة إلى هيئة عامة للكتاب؟ أم إلى كفاءات مميزة في المجالين الثقافي والإداري؟ ما يهم فعلاً هو أن نعمل على صناعة كتاب وطني بمحتوى وإخراج وتوزيع وانتشار كبير، يقدم ثقافتنا وآدابنا إلى العالم، وأن يعاد تصدير هذه الثقافة من داخل البلاد إلى الخارج، بعد أن ظللنا لعقود طويلة نستورد مؤلفاتنا وكتبنا المنشورة في بيروت والقاهرة وعمان وبغداد والدار البيضاء وغيرها.