عبده الأسمري
يمر قطار العمر سريعاً.. يطوف بنا في مدارات الحياة.. يسلك بنا دروبا منوعة.. في خضم ذلك نسير ونمضي نتشبث بالأحلام.. نمتطي صهوة الأمنيات نجول بين قدراتنا وآمالنا.. نحط الرحال في سبل راحة وفي مقتبل عمر.. ترمي بنا الظروف أحيانا وسط بحر لجي من المتاعب وتنقلنا أحايين إلى شواطئ آمنة ولكننا نبقى في تخوف من موجات قادمة.. نصعد القمم ونتعرض لعدم الاستقرار فنهبط إلى سفوح أقل.. نحاول الثبات رغما عن الهزات الحياتية.. نصمد ونقاوم.. نكافح وننافح.. نصابر ونكابر.. كل ذلك وسط دائرة الحياة وتقلباتها ومواجعها وأفراحها واتراحها ومستقرها وتغيرها وبين دنيا فيها من العبر ما يحولها إلى مدرسة خاصة يتخرج منا المتفوقون والناجحون بكل الدرجات ويبقى فيها راسبون أمامهم «اختبارات بديلة» و»زمن مفتوح» لإعادة الاختبار للوصول إلى النجاح حتى تنتهي بهم الحياة في غياهب الموت .
بين أجيال قضت حياتها وأخرى ماضية في ذات الطريق وأخرى تقضي أيامها بين سلالم الحياة وسطحها وأعماقها.. تنكص الذاكرة إلى الطفولة الأولى والمتوسطة والأخيرة وإلى سنوات المراهقة وإلى أعوام الشباب والرشد وحتى مستقر «الشيخوخة» كل ذلك يمر أمامنا في شريط يومي حسب العمر.. نتذكر الوجوه ونستذكر الأماكن ننكر أفعالنا أحيانا ونتنكر لمواقفنا.. تجول بنا الذات في تعاملاتها ما بين الصح والخطأ وما بين العقاب والثواب والذنب والغفران..
هنالك سؤال يحمل قطبية زمنية وعقلية مدمجة بإجابات تستدعي التفكر وأخرى تنتظر التفكير. لو رجع بنا الزمان للوراء ماذا كنا سنفعل ولو تقدم بنا العمر بذات المسافة ماذا سنكون فاعلين؟؟
أسئلة النفس تبقى جرعة يومية يجب أن تكون حاضرة في العقل وأن يكون الإنسان متوازنا وذكيا ما بين ذاكرة مشبعة بالتفاصيل وتجارب مثقلة بالعبر تنقله ما بين الهزيمة والانكسار أو العزيمة والاعتبار. تحاصرنا العديد من مواقف الندم تنصرنا في الغالب لتصحيح السلوك وتعديل الأساليب.. في وقت تمنحنا العديد من الأخطاء فرصا واعدة لترتيب الأوراق من جديد..
الإمضاءات التي يتركها الإنسان في حياته دليل على الفوز والانتصار.. هنالك آثار وتأثير وأثر تظل في مساحة «الإيجابية» وفي متن «النفع» في حين لو ظلت الحياة بلا بصمة فقدت البريق وباتت باهتة بلا قيمة. الأمر مرهون بالقيمة الذاتية للإنسان وبقوى النفس الخفية التي توجد بشكل متعادل بين البشر تنتظر فقط البحث عنها..
في أنفسنا عشرات القوى التي تنطلق من منصة الذات تنتظر التخطيط والتوجيه والتنفيذ..
إنها إدارة الذات.. التي يجب أن تعيش الانتصارات حتى على إحباطها الداخلي.. وأن تعايش الفوز في مواجهات التغيرات ومجابهة المؤثرات.
لدى كل إنسان طاقة داخلية ومهارات خفية يجب أن تستغل فهنالك منجم في كل نفس زاخر بمعادن الدافعية والإيجابية والتفاؤل والتغيير.. يجب البحث عنه دون اللجوء إلى الآخرين..
يجب أن يوظف الإنسان مبدأ الاعتمادية في داخله وأن يكشف عن الجانب الخفي في أعماقه والذي سينقله من متاهات الإحباط إلى مسارات الإنجاز.. عليه أن يحول الفشل والانهزام إلى منطلق للسمو بذاته والارتقاء بهمته نحو الغد المشرق .فضوء الفجر ينبثق من أحلك الظلمات .
ولو بحثنا في تجارب عدة للناجحين وللمتميزين وحتى للعلماء والمفكرين وأصحاب الريادة على خارطة الأرض لوجدنا أنهم وصلوا للنجاح من بؤر المعاناة وإنهم فتحوا بوابات التميز بمفاتحيهم الخاصة وأن خطواتهم لم تكن لتستقيم وتثبت إلا بعد التعثر.
الاعتبار بكل ما في الذاكرة وبجميع ما يواجهه الإنسان ويقرأه أو يسمع به أو يفكر فيه أو يتعلمه أو يعايشه يصنع الانتصار على كل تقلبات الحياة التي لم تكن سوى محن تفضي إلى منح ولم تمر على الإنسان إلا لتصقله وتعلمه وتجهزه وتختبره كي يكون أكثر نضوجا وأسمى فكرا وأقوى تماسكا لمواجهتها بثبات الذات وقوة النفس ودافعية الروح.