رجاء العتيبي
لو كانت اختبارات قياس اختيارية لكان الأمر منطقيًا, فمن يرغب في معرفة قدراته واتجاهاته يمكن له أن يدخل الاختبار ويوجه نفسه بحسب النتيجة التي حصل عليها, ذلك أن هناك كثيرًا من الطلاب والطالبات يعرفون بالضبط ماذا يريدون, ويرغبون في أن يتوجهوا للتخصص الذي يتناسب مع قدراتهم واهتماماتهم وشغفهم, ولا يمثل لهم اختبار قياس أي قيمة في معرفة قدراتهم وتحصيلهم, فهم يعرفونها مسبقًا ويعرفون ماذا يريدون.
وفي هذا السياق -سياق القبول في الجامعات- نرى أن الرغبات الثلاث أو الأربع التي يفرضها نظام القبول الموحد للجامعات السعودية, هو الآخر ليس منطقيًا, فإذا كان طالب أو طالبة يرغبان في دراسة علوم صحية تخصص (تغذية، علاج طبيعي أو ...), وفقًا لاهتمامهما, ثم لا يحصل لهما ذلك, فهذا يعني أن تقبله الجامعة في التخصص الذي اختاراه ثانيًا, وإذا لم يحصل ثانيًا يقبل في التخصص الثالث, وهكذا، حتى يقبل في تخصص لا يريده، يضطر الطالب والطالبة لدراسته رغمًا عنهم حتى لو لم يكن ضمن تفكيرهم أصلاً.
طلاب وطالبات المرحلة الثانوية المتخرجين في كل عام, يجدون أنفسهم أمام عائقين:
- اختبارات قياس التي قد تعطيهم نتائج غير (صادقة) عمليًا,
- وبين الرغبات المتعدد للقبول الموحد للجامعات الذي قد يضع الطلاب في أماكن لا يرغبونها ولا تمثل لهم أي اهتمام.
أليست هذه قضية كبرى؟ كبرى بوصفها إصدار حكم نهائي على قدرات الطالب والتي قد تتغير (قدراته) مع مرور الزمن.
وكبرى في أن يدرس الطالب طوال 4 سنوات في تخصص (وضعه) النظام الإلكتروني بشكل آلي بصورة لا اعتبار فيها لقيمة الشغف التي تمثل (جوهر) الإبداع والإنتاجية.
بعد كل هذه السنين على استخدام هذين النظامين (قياس, والقبول الموحد المتعدد الرغبات), هل عملنا (قياس) لنتائجه؟ بمعنى آخر هل يتفضل (قياس) ويعمل دراسة لفحص (فرضية) أن كثيرًا من الطلاب والطالبات يدرسون في غير ما يرغبون بعيدًا عن شغفهم؟
هل يمكن أن يبحث بشكل علمي مخرجات نظام القبول المتعدد الرغبات؟ هل يخدم (الاستثمار في الإنسان) بالطبع لا، لأنك توجهه في غير ما يرغب؟
هل يمكن لجيل درس في غير اهتمامه وغير ما يريد أن يخدم وطنه على الوجه المطلوب؟
وماذا يمكن أن نقول عن طلاب وطالبات لم تقبلهم الجامعات, وهم من المبدعين, مشكلتهم أنهم لا يجيدون مهارة الحفظ التي تعد أدنى مهارات التفكير, في حين لها قيمة عليا في اختبارات قياس.