عبده الأسمري
مر مرور «المقدام» فاستقر في وجدان «المسرح» بطلاً ومحفلاً خاصاً فكان «سامر النص» و«ثامر المعنى» الذي حول الكتابة المسرحية من «نصوص نظرية» إلى «منصات فكرية» متنقلاً بها بين مواسم البهجة ليرسمها «علماً فنياً» و«معلماً احترافياً» يوزع إنتاجه ببذخ بين أيادي المهتمين ووسط عقول المسرحيين. امتهن الرواية والمقال فكان وفياً للمهنة مستوفياً للمهنية.
إنه الكاتب والمسرحي محمد العثيم رحمه الله أحد أهم رواد المسرح السعودي.
بوجه تشع منه الطيبة الموشحة بالأصالة مع تفاصيل قصيمية تبدو في مدارج كلماته التي تقفز بين عبارات المسرح واعتبارات الرواية وعينان مكتظتان بالفرح وملامح باسمة رغماً عن ويلات المرض وكاريزما تنعكس على سحنة عامرة بالألفة ترتكز على أناقة فاخرة كان يعتبرها نصاً من نصوص الحياة والجمال ولغة مرصعة بلآلي الكلمات المنتقاة مع لهجة وطنية بيضاء وإتقان لغوي فريد ينم عن شخصية مسكونة بالأدب طل العثيم عقوداًَ وهو يجول بحقيبته وأجنداته وأوراقه وكلماته ليكتب الفرح ويرسم المرح ويفصل المشهد ويحلل الهموم في قالب المسرح والمقال والشعر.
في بريدة ولد العثيم ونشأ في أوساط أسرة علمته ماهية «التربية» سراً وجهراً كان ينظر باحترام نحو «الحفاظ» وتحفظ حيال «التشدد» فتربى وسطياً يشم عبير الصباح من رياحين المزارع ويتنفس ربيع الفلاح من نسائم الفجر بحارته الصغيرة وعاش يراقب برج التلفاز في القصيم ويستمع بشغف إلى مخرجات الإلقاء عبر الشاشات مخطوفاً إلى المسرح ومقاطع الأداء التي كان يسمعها في المذياع ويراها في التلفزيون وكان يكتبها نصوصاً تنبؤية في كشكوله الممتلئ بتفاصيل الأحلام.
ركض العثيم مع أقرانه وكان يفضي إليهم بالأمنيات ويستلهم منهم التوقعات فظل يكيل الأماني في حضرة أسرته التي توسمت فيه مشروعاً أديباً كان يراهن عليه بأدبه وينافس عليه بأدبيته..
كتب العثيم باكراً عندما كان يرصد تحولات الحياة في معشوقته المكانية «القصيم» وظل يحلل مفاهيم الناس كوجبة ذهنية خليطة بين الشعر والرواية والمسرح. فكانت كتب الثقافة تزاحم مناهج التعليم في حقيبته الصغيرة وظلت المكتبة المدرسية «ملهمته الأولى». انجذب باكراً للقراءة والبحث فانكب على الصحف يجمع قصاصات الحكمة والحنكة ومسارات الإبداع ليضعها في جيبه مستأنساً بالحروف مؤسساً لمشروع ثقافي بدأ بنيانه منذ أن كان طالب ثانوي يوزع نهاره بين الدراسة والتزامات الوالدين وليله بين معاقرة الدروس ومسامرة الأدب.
سيرة مشرفة ومشرقة توجها العثيم بنيل درجة الماجستير في الصحافة المطبوعة من جامعة ولاية كاليفورنيا 1985م.
عمل العثيم محاضراً في قسم الإعلام في جامعة الملك سعود ومستشاراً لعدة شركات وجهات وشارك في عدة بحوث إعلامية وعمل مستشاراً لأكثر من جهة حكومية، وشارك في عدد من الندوات والمناسبات الثقافية. وعمل مستشاراً للمهرجان الوطني للثقافة والتراث في مجال الفنون وأسهم في كثير من النشاطات الثقافية بالأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون، وشارك في المهرجانات المسرحية في مجال المسرح، ومثلت الكثير من نصوصه محلياً وخارجياً وحاز على عدد من شهادات التقدير، وشارك في مسرح المهرجان الوطني للثقافة والتراث (مهرجان الجنادرية) ست عشرة سنة.
نال العثيم براءة الاستحقاق الأولى من جائزة أبها الثقافية وحكم في عدة مهرجانات مسرحية في السعودية والخليج وله العديد من العضويات.
امتهن الكتابة الصحافية لمدة 3 عقود وصدر له أربعة كتب ثلاثة في المسرح والنقد والرابعة رواية وبلغ عدد مسرحياته 45 مسرحية ومسلسلين.
غاص العثيم في أعماق المسرح وحمل همه واحتمل مهمته في درب كان فيه الرواد يتوقفون لالتقاط الأنفاس فأصر على حمل اللواء مخرجاً النفائس رغم اصطدامه بالجمود وصدامه مع الصدود فنقل المهنة إلى ساحة «التطوير» واضعاً من «روحه الطيبة» سراً لإشباع اتجاهات الفن ومدارات المسارح بالابتكار متخذاً من إبداعه الذاتي شعلة أضاء بها متاهات التعبير.
رحل العثيم قبل عشرة أيام فنعته الأوساط الثقافية والفنية والمسرحية وارتحل إلى حيث مرقده الأخير واضعاً في قلوب محبيه أثراً وفي أفئدة رفاقه تأثيراً.. تاركاً مواقعه مضاءة بإمضاءات الأدب وإضاءات الإنسانية مخلفاً اسمه في الجزء المشرق من الذاكرة.. غيبة الموت ولكن بقي حاضراً في قائمة الأوفياء والانقياء.