عبد الله باخشوين
الحارة التي ولدت ونشأت فيها.. في الطائف اسمها (الرسمي) العزيزية.. لكن بعض (خبثاء) الحارة أطلقوا عليها اسم (جبل الحبالى) بعد ما أشيع أن عمال (النظافة) وجدوا في (الكدوة) أو مكب (القمامة).. طفلاً حديث الولادة.. لا يدروا من أي بيت نبت.
وبيوت حارتنا..تصعد من البرحة وتتسلق متلاصقة على عدة جبال متلاحمة على قمتها سور حجري ضخم يمتد حتي يغيب في (العقيق) خلف الجبل وبداخلة مجموعة من المباني التي تضمها (قشلة) فرعية على ذلك الجانب المؤدي طريقه العام إلى (قصر شبرا) وحي أم خبز الذي يتفرع منه (درب السيل) المؤدي إلى مكة المكرمة.. و(درب الحوية) المؤدي لطريق الرياض. أما (القشلة) الرئيسية - مقر قيادة الجيش- فتبدأ من مدخلها الرئيسي المواجه لشارع الملك فيصل وتصعد لـ(باب الريع) في أعلى الجبل ببوابة خلفية هي مدخل المقر العام لـ(البوليس الحربي)، أما واجهتها الشرقية فلها بوابة فخمة للمسؤولين الكبار تطل على (برحة القزاز) وسوق الطايف وجدار قبلة (مسجد الهادي).. فيما تجد الواجهه الغربية في مواجهة مدخل (قصر الملك فيصل) وهي عبارة عن سور حديدي بداخله عدة ملاعب للنشاط الرياضي العسكري ومدخل لدار سينما (الضباط).
أما حارتنا فواجهتها الوحيدة للغرب وتطل على السور الكبير لـ(قصر نجمة) وهناك الكثير من الصندق والعشاش الملاصقة لسور ومدخل (شركة الجفالي للكهرباء).
هذا الذي تقدم وتفاصيل أخرى.. وردت في (مسودة مخطوطة روايتي جبل الحبالى) وفي مسودات روايات أخرى مثل (المسكون).. ولسنا هنا للحديث عن أسباب عدم طباعة تلك الروايات.. لكن للعودة للحديث عن سكان حارتنا الذين هم جميعاً من الجنود العاملين في الجيش والشرطة.. وتعود منابتهم إلى مجموعة من (الأماكن) تكاد تشمل كل أنحاء المملكة.
وهنا تبرز شخصية مبدع جميل هو الصديق الحبيب محمد علوان.. ذلك أن (الجيران) الذين تركوا أكبر الأثر في نفسي هم من أهل (المنطقة الجنوبية) صعوداً من الطائف وبيشة والباحة وبلجرشي وصولاً إلى أبها وخميس مشيط.. وذلك بحكم علاقتي بكل منهم في مثل سني.. وإن كان أبلغ الأثر في حياتي يعود لابني (عنيزة وبريدة) عبدالله مبارك الغنيم وإبراهيم عبد العزيز الفوزان.. فإن النساء الجنوبيات في حارتنا هن أمهاتي بالفعل.. خاصة أن أمي (حميدة) توجت هذه الأمومة.. لأنها هي التي ولدت وتبادلت مع معظمهن مهمات الرضاع.. ويستحيل علي أن أذكر إحداهن دون أن أقول (أمي فلانة).
ومن بصمة لهجة الجنوبيات تأتي طلاوة العبارات الحميمة:
- خذت ضيمك
- خذت موتك
- الله يطعني عنك
- الله ياخذني قبلك
وتكتشف حميميتها وأنت تسمعها تقال لك في مناسبتها.
وهنا لا بد أن أشير إلى أن لهجة نساء الجنوب تركت بصمة واضحة على كل الحوارات التي وردت في قصصي.. حتى حديث أمي لي كان يحمل هذه الروح.. ويختلط فيه صوت أهل (القنفذة) بأصوات تأتي من بدو منطقة (جيزان) قبل أن تودع لبنها في بنية وتكوين أبناء من أرضعتهم من أبناء وبنات الجنوب.