د. محمد عبدالله العوين
ربما يخيل إليك أن هذا الإعلان كتب ببنط كبير وعلق على واجهة مطعم أو مقهى في مكان ما من العالم شرقاً أو غرباً؛ لكن المؤلم أن هذا الإعلان المقيت ليس في لندن أو باريس أو جنيف ولا في القاهرة أو بيروت أو الدار البيضاء -مثلاً- بل في مدينة «الخبر».
حتماً سيشعر المرتادون لذلك المطعم التعيس من أبناء الوطن بالغربة في وطنهم.. ليس هذا فحسب؛ بل سيشعرون بالمعنى العميق الذي يرمز له إعلان المطعم؛ وهو أن صاحب المطعم ومديره والعاملين فيه يحتقرون اللباس السعودي الذي أسموه خليجياً تخففا من وقع «الزي السعودي» على الأذن لوضوح المقصود الحقيقي فيها وهو «اللباس السعودي» ولو استجاب زائرو المطعم لرغبات صاحبه وتنكروا لأنفسهم ولوطنهم ودخلوا إلى نعيم المطعم واستمتعوا بما لذ وطاب فيه؛ هل يمكن لهم أن يداروا الغصة الأليمة التي لن تبرح حناجرهم من شعورهم بأن المطعم لا يزدري لباسهم الوطني فحسب؛ بل يزدريهم هم وكل من يرتدي ذلك اللباس الذي رأى فيه ما رأى من خيالاته المريضة التي وقرت في نفسه؛ بأنه رمز لتقاليد بالية ورفض للحداثة الغربية والتزام متزمت بكل قديم يناهض الانفتاح على المدنية الحديثة.
يقول الإعلان الغبي في الشرط الرابع ضمن شروط أربعة وضعها لدخول المطعم «(الالتزام بالزي الكاجول - جينز - قميص - تي شيرت).
ولقد عبر أبناء الوطن الشرفاء عن غضبهم الشديد من خلال ما اشتعلت به مواقع التواصل الاجتماعي من تغريدات مستنكرة مطالبة بإغلاق المطعم وتطبيق العقوبات على صاحبه؛ للمحافظة على الهوية الوطنية المتمثلة أول ما تتمثل في: اللغة واللباس.
وفي هذا السياق أنبه إلى ما ورد من معلومات -أرجو ألا تكون صحيحة- عن تعليمات يفرضها مشرفون على مطاعم ومقاهٍ داخل مجمعات شركات أجنبية بمنع دخول «السعوديين» بالزي الوطني باستثناء النساء السعوديات.. لا يمكن أن يعيش المواطن غريباً في وطنه لباساً ولغةً، وليست هي المرة الأولى التي نقرأ أو نسمع عن التململ من اللباس الوطني وأنه ليس ضرورة في المؤسسات والدوائر الرسمية كالجامعات مثلاً، وأن الأمر يترك لمن يرغب؛ كما حدث لمن دافع عن حق طلاب جامعة الملك عبدالعزيز في جدة في ارتداء ما يطيب لهم من أزياء غربية.
وما يقال عن اللباس السعودي المستهجن من بعضهم يقال أيضاً عن اللغة العربية التي أصبحت هي الأخرى غريبة في عدد من المؤسسات التجارية والشركات والفنادق والمطاعم، وهو ما يستوجب علينا مكافحة هذه الظاهرة التي تحمل في باطنها ما تحمل من معان سيئة مضمرة؛ لئلا تفقد الأجيال الجديدة التوازن الذكي والناجح بين «الأصالة والمعاصرة» وهو ما قامت عليه هذه البلاد المباركة. وشكراً جزيلاً لسمو أمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف ولنائبه الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بإغلاقهما المطعم المسيء ومعاقبة صاحبه.