د.عبدالله بن موسى الطاير
مع كل خطوة تخطوها المملكة إلى الأمام يزداد خوفنا عليها، ومع مضيها قدماً في التحديث والتطوير وامتلاك القوة تقترب من خطوط التماس مع الكثير من الأعداء والمنافسين، فيزدادون ضراوة في هجومهم الشرس عليها. إنها لم تعجبهم وهي تحاول احتواء العدو قبل الصديق، ولم تعجبهم وهي تبذل أموالها خلف الكواليس لتطفئ الفتن من حولها ويبقى مواطنها بعيداً عن الخطر ومنجزاتها آمنة نامية، ولم ترق لهم وهي تمنع المرأة من قيادة السيارة، ولم يكونوا من الود معها بمكان وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوج قوتها. وهي قطعاً لن تعجبهم رغم كل إجراءات التحديث والتطوير التي حدثت خلال السنوات الثلاث الماضية. المطلوب رأس السعودية وليس غيره.
تلك نتيجة يمكن الوصول إليها لمن يتابع تاريخ علاقة الإعلام الليبرالي الغربي مع السعودية، وما دمنا في دائرة الاستهداف بلداً وعقيدةً وتاريخاً وثقافة وتقاليد ونظام حكم، ومجتمع فإن رد الفعل المنطقي هو توقع الأسوأ والتصميم على المواجهة. من حقنا أن نخاف على بلادنا، وأن ندافع عنها، وأن نتبنى مواقفها سواء أعجبت الآخرين أو لم ترق لهم. وسواء اقتنعنا بها أو لم نقتنع، فالأمر يتعلق بوجودنا جميعاً وليس بملف دون آخر.
الدولة السعودية الأولى رجموها بالوهابية، فاستعدوا عليها المسلمين داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكتب المستشرقون عن هذا الدين الجديد الذي نزل على أهل الدرعية. لم يكن ذلك سوى هجوم مضاد لوأد الدولة الوليدة خشية من شرعيتها المكانية، والدينية والقومية. متلازمة الوهابية انتقلت من الدولة الأولى إلى الثانية، فالدولة السعودية الثالثة، والهدف واحد قبل 300 سنة وقبل 3 دقائق وهو ممارسة أشد أنواع الضغط لتحجيم الدور السعودي وعدم السماح له بأخذ وضعه الطبيعي. الإعلام الغربي تحديداً وضع لائحة طويلة من الاتهامات، منها ما يتعلّق بالفكر الديني المتشدّد اتكاء على التهمة الرئيسة وهي الوهابية، ومنها ما يتعلّق بالمرأة، وقيادتها السيارة، ومنها ما يتعلّق بحرية الأديان والمعتقدات، ومنها ما يتعلّق بحريات الإنسان والتعبير. ونحن في نظر الإعلام الغربي سبب مشاكل البيئة، وارتفاع أسعار النفط، وتمويل الإرهاب، وحتى في انتخاب الرئيس ترامب.
حسناً، نحن مجتمع لا نختلف عن غيرنا من التجمعات البشرية، لسنا دولة أفلاطونية، بيد أننا لم نقم معسكرات لفصل الأطفال عن ذويهم على حدودنا، ولم نشيد جوانتاناموا، ولا سجون أبو غريب. وإنما حققنا أمناً لشعبنا، وتعليماً وتنمية، ولم تستأثر طائفة أو منطقة في بناء الإنسان بجهد الدولة عن الأخرى، ودخلنا نادي العشرين، ونتمتع باحترام العالم، فماذا يريد منا الإعلام الغربي ومن يكتبون فيه ويتعاونون معه؟
الصين تمنع البحث في جوجل، وتحظر تويتر، واتس أب، بي بي سي، نيويورك تايمز، بلومبيرج، ويوتيوب. وضعت لنفسها هدفاً وتسعى لتحقيقه ومن أجل الاستقرار عيّنت لها رئيساً مدى الحياة. الرئيس الأمريكي يعتبر أن الإعلام الغربي عدو للأمة الأمريكية ويصفه بالإعلام المزيّف. أما نحن فما زلنا نحاول ونمد اليد تلو الأخرى، ونقدم دعوات السجاد الأحمر للإعلاميين الغربيين لعلنا «نصعب عليهم» ويتوقفون عن الهجوم علينا بسبب وبدون سبب علينا.
اليوم يتحدث العالم بإيجابية عن رؤية المملكة 2030، عن الاقتصاد، عن نيوم، عن أرامكو، عن الترفيه والمرأة، عن التحول والإصلاح السعودي. لكن ذلك لم يكن مقنعاً للبعض فتحولوا لاستهداف الأمير محمد بن سلمان شخصياً. يا سادة يا كرام، الأمير محمد بن سلمان ظاهرة أحبها الشعب السعودي ولن يخذلها، فارفقوا بأقلامكم.
المثقف الوطني السعودي يعرف التزاماته الأخلاقية ودوره في التنوير، ومقتنع تماماً بأهمية التنوّع وتكافؤ الفرص وصيانة الحريات، لكنه في ذات الوقت يدرك أن أي من تلك الملفات لا يمكن أن يتحقق فيها تقدّم بدون استقرار.
ومن هذا المنطلق يكون المثقف أكثر انتماءً وولاءً، وأشد حرصاً في هذه الظروف على الاصطفاف إلى جانب القيادة السياسية للتصدي لكل من يريد بالمملكة شراً.